تعليم اللغة العربية في ضوء مواجهة تحديات العولمة وتلبية متطلباتها: منهجا وسياسة
إعداد: د. نصرالدين إدريس جوهر
(كلية الآداب جامعة سونن أمبيل الإسلامية الحكومية، سورابايا-إندونيسيا)
مقدمة
أصبحت العولمة في العصر الحاضر اتجاها سائدا تتحرك في ضوءها جميع ديناميكيات هذا العصر بشتى مجالاتها وبدون استثناء. وأصبح كل ما ينشغل به إنسان هذا العصر ممن يريد التطور والتقدم سعيا إلى مواجهة تحدياتها وتلبية متطلباتها، ويقاس التطور والتقدم في ضوء ذلك على مدى القدرة على تلبية متطلبات العولمة.
ورغم أن العولمة كانت في البداية تعني عولمة اقتصادية التي تمثلت في عولمة الاقتصاد الرأسمالي إلا أن الحديث عنها هذا اليوم بدأ يتوقف كثيرا على منظور ثقافي. ذلك لأن العولمة الثقافية كما يراه الكثير قد تركت آثارا كبيرة على حياة الجنس البشري منها إيجابية ومنها سلبية. أما آثار العولمة الإيجابية ثقافيا فمنها توفير الوسائل الحديثة ليس فقط لنشر الثقافات المحلية والمحافظة عليها في حدودها وإنما أيضا للتعامل عبر الثقافات بين الأمم ثقافاتها مما يمكن خلال ذلك تبادل الاستفادة والاحترام بين أبناء الثقافات.
أما ما يترتب من العولمة الثقافية من آثار سلبية فمنها اختفاء الحدود الثقافية بين الأمم حيث أن الإنسان في هذا العصر لم يعد ينتمي إلى ثقافة أرضه ودينه إنما ينتمي إلى الثقافة السائدة دوليا وهي كما يتفق عليه الكثير الثقافة الغربية. إنه بعبارة أخرى يعني أن الانتماء الثقافي لم يعد على أساس الحدود الجغرافية والدينية وإنما على أساس السيادة الثقافية في ضوء تيار العولمة. وبما أن الثقافة الغربية في ذلك هي الثقافة المهيمنة التي تدعم العولمة وتدعمها العولمة فبدأ الانتماء الثقافي على المستوى الدولي يتجه إليها.
ولعل أبرز أشكال العولمة الثقافية التي يشهدها العصر الحاضر هي العولمة اللغوية. إن العولمة -من ناحية- قد فتحت بابا ووفرت جميع الوسائل لكل لغة لتجد سبيلها إلى خوض التواصل الدولي. ولكنها من ناحية أخرى قد أدت إلى ما يمكن الإطلاق عليه مصطلح "أزمة الهوية اللغوية"، حيث أن أبناء هذا العصر لم يعودوا يعيشون اللغة التي تنتمي إليها ثقافتهم وأرضهم وإنما تنتمي هويتهم اللغوية إلى اللغة المهيمنة في التواصل الدولي. فكما اختفت هويتهم الثقافية اختفت هويتهم اللغوية.
واللغة العربية قد تعد أكثر ما يعاني من هذه الأزمة الهوية اللغوية في ظل العولمة لكونها لغة للثقافة الإسلامية من جانب ولغة أجنبية دولية من جانب آخر. يرى البعض أن العولمة قد جاءت بكل ما تحتاج إليه هذه اللغة لإثبات كونها لغة دينية من جانب ولغة أجنبية من جانب آخر بل يمكن القول أن العولمة تأتي لخدمة هذه اللغة. إلا أن البعض الآخر يرى ما يخالف ذلك ويزعمون أن اللغة العربية بدأت تصبح معزولة داخل أرضها وخارجها ومنسية لدى الناطقين بها والناطقين بغيرها. وأن الانتماء لهذه اللغة الذي يتمثل في الرغبة في تعلمها وتعليمها واستخدامها ينقص شيئا فشيئا وذلك لأسباب ليست فقط خارجية مثل هيمنة اللغة الغربية واستيلائها وإنما أيضا داخلية مثل انعدام المنهج اللغوي والسياسة اللغوية لدعم هذه اللغة.
وهذه القضية هي التي تحاول هذه المقالة تسليط الضوء عليها مبينة في ذلك ما تخسر اللغة العربية من العولمة وما تنتفع بها أولاً، وتعليم اللغة العربية على منهج وسياسة تمكن هذه اللغة من مواجهة تحديات العولمة وتلبية متطلباتها ثانيًا.
العولمة ما تخسر منها العربية وما تنتفع بها
يمكن تعريف العولمة Globalization، بأنها تعميم نمط من الأنماط الفكرية والسياسية والاقتصادية على نطاق العالم كله. ولأن الدعوة إلى العولمة، ولدت في الولايات المتحدة، فمن المفترض نظريًّا أنها تعني الدعوة إلى تبني النموذج الأمريكي في الاقتصاد والسياسة وفي طريقة الحياة بشكل عام، ومن ضمنها الثقافة والفكر والإعلام.[1]
ولعل أول ما تؤدي إليه العولمة في ضوء هذا المفهوم هو ما يعرف بطمس الهويات وضياع الاتجاهات غير الأمريكية. لأن تعميم النموذجي الأمريكي في هذه المجالات يعني الابتعاد عن أي نظام آخر متبع فيها. فتعميم النموذجي الأمريكي في الاقتصاد على سبيل المثال يعني أول ما يعني الابتعاد عن أي نظام اقتصادي لا يتناغم معه. فإذا وقعت هذه العولمة الاقتصادية في دولة معينة فذلك سوف يحثها على الابتعاد عن نظامها الاقتصادي وتبنى نظام آخر أمريكي وبهذا اختفت هوية هذه الدولة الاقتصادية.
والعولمة اللغوية لا تقل خطورة من ذلك بل إنها أخطر ألوان العولمة لأنها لا تعني عولمة اللغة الإنجليزية (وهي اللغة التي تتسلح بها أمريكا في شن هجوم العولمة على العالم) وهيمنتها على سائر اللغات فقط وإنما تعني أيضا عولمة ثقافة هذه اللغة وسيادتها على ثقافات العالم كلها. واللغة العربية تعد أكثر ما يتعرض من اللغات لهذه النوع من العولمة. ذلك لكونها لغة أجنبية ولغة دينية في آن واحد مما يعني أن المواجهة بين الإنجليزية والعربية في ضوء العولمة تعني المواجهة بين الثقافة الغربية والثقافة الإسلامية –الأمر الذي قد أشعل غزوا فكريا منذ قرون.
وعند مواجهة بين اللغتين تخسر اللغة العربية كثيرا و يأتي ذلك في المقام الأول من سيادة اللغة الإنجليزية على الوسائل التكنولوجية ومجال الأعمال والاتصال الدولي. تقول الأرقام الدولية الرسمية إن (تسعين)90% من العناصر التي تتحرك في شبكة الإنترنت هي بالإنجليزية وحدها، و(خمسة وثمانين) 85% من الاتصالات الدولية عبر الهاتف تتم بالإنجليزية أيضًا، وإن أكثر من 70% من الأفلام التليفزيونية والسينمائية بالإنجليزية، و(خمسة وستين) 65% من برامج الإذاعات في كل العالم بالإنجليزية.[2] أما في مجال الأعمال فتشكل الإنجليزية أهم شروط يجب توفيره للحصول على عمل أو منصب مرموق معين بخلاف العربية التي تنحصر مطالبتها على مجالات محددة.
وليست هذه الظاهرة هي المشكلة الحقيقة التي تتعرض لها العربية وإنما المشكلة الحقيقية ما يترتب على هذه الظاهرة من تكوين الاتجاهات الإيجابية تجاه الإنجليزية والسلبية تجاه العربية وما ينتج من ذلك من طمس الهوية اللغوية العربية والثقافية الإسلامية.
ولعل أبرز صورة من صور هذا الطمس أن يفتخر المسلمون بالإنجليزية ويعتبرونها لغة وحيدة للفوز على الحياة المعاصرة وفي المقابل ينظرون إلى العربية نظرة مخالفة. فتنقص رغبة الأجنبيين ودافعيتهم لتعلم العربية وتعليمها، وضاع افتخار العرب باستخدام العربية إلا صورتها العامية، ويعلمون أولادهم في المدارس الغربية لكي يجيدوا الإنجليزية أكثر من العربية. بل هناك ظاهرة كادت أن تفوق الخيال ما يلاحظ في العقود الأخيرة من الزمن من أن بعض السيدات الحوامل يسافرن إلى أمريكا أو إنجلترا ليلدن هناك حتى يكتسب الوليد جنسية فوقية لا عربية دونية.[3] لقد وصلت هذه الأزمة الهوية بين أبناء هذه الأمة إلى أقصى حدودها!
ولكن لا تقوم العولمة دائما ضد هذه اللغة. هناك من ظواهر العولمة ما تنتفع بها العربية ولعل أهمها توافر الوسائل التكنولوجية الإعلامية التي اتخذت العربية فيها مكانا للتداول. إن الوسائل الإعلامية خاصة شبكات الإنترنت والقنوات الفضائية بالنسبة للناطقين بغير العربية تقدم لهم ما يتمتعون به من برامج لغوية وثقافية التي بدورها تزودهم بالمعلومات عن العربية وثقافتها. أما بالنسبة للمواطنين العرب فتضاعفت من خلال هذه الوسائل فرصهم في سماع الفصحى وفهمها في الوقت الذي سادت العامية في حياتهم اليومية. والإنترنت هي أهم ما ينتفع بها العربية خاصة في تقديم ديناميكية هذا العصر أمام المجتمع الدولي بأسلوب عربي، وهي بهذا تحمل العربية على مواكبة جميع تطورات العالم الحاضر مما يعني أن هذه الوسيلة تضمن وجودية هذه اللغة في التواصل الدولي.
على صعيد آخر إن بعض ردود فعل على العولمة قد تأتي لمصالح اللغة العربية. ومن ذلك ظهور رغبة متزايدة في بعض الدول في تطبيق نظام الاقتصاد الإسلامي ردا على الاقتصاد الأمريكي الرأسمالي. هذا قد أدي إلى رغبة متزايدة في تعلم اللغة العربية لأغراض اقتصادية. فبدأ المعنيون بالاقتصاد الإسلامي العناية باللغة العربية لكونها وسيلة وحيدة للرجوع المصادر الاقتصادية الإسلامية.
والإرهاب الذي ظهر ردا على العولمة قد ترك أيضا شيئا آخر لمصالح اللغة العربية. إن الحرب على الإرهاب والإسلام أثارت فضول الملايين في الغرب لمعرفة الإسلام واكتشاف تعاليمه التي ربطوها بالإرهاب فيندفعون إلى تعلم العربية بدواعٍ كثيرة في مقدمته الرغبة في أن يفهموا بأنفسهم الإسلام والثقافة العربية دون تأثير من أحد.[4]
منهج وسياسة تعليم اللغة العربية لمواجهة تحديات العولمة وتلبية متطلباتها
إن تعليم اللغة العربية في العصر الحاضر أصبح مجالا متعدد الأبعاد لا يتعلق فقط بالتعليم اللغوي وإنما يتعلق كذلك بالسياسي اللغوي. وقد علمتنا العولمة اللغوية أن اللغات السائدة في هذا العصر فازت المنافسات في التواصل الدولي ليس عن طريق التعليم فقط وإنما أيضا عن طريق السياسة اللغوية المدعمة لها، مما يعني أن مجال تعليم أي لغة أجنبية في هذا العصر يجب أن يستند إلى التآزر بين المنهج والسياسة. وتتناول السطور التالية منهجا يمكن الاستناد إليه تعليم اللغة العربية كلغة أجنبية وسياسة يمكن وضعها لدعم تعليمها.
أ. المنهج
لم تكن مناهج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها -منذ السبعينيات حتى العقد الحاضر- مناهج يتم تصميمها شكليا وتطبيقها عمليا في ضوء مواجهة تحديات العولمة وتلبية متطلباتها. أو بعبارة أخرى إن ظاهرة العولمة لم تكن مما يراعي في عملية وضع تلك المناهج. لذلك فمن الضرورة بمكان إعادة النظر إلى تلك المناهج خاصة الأسس التي تنبني عليها عملية بنائها والعناصر التي تتكون منها بنيتها لكي تتناسب مع محاولات تعليم اللغة العربية في ضوء مواجهة تحديات العولمة وتلبية متطلباتها.
1. أسس بناء المنهج
إن الأدوار التي تلعبها اللغة العربية في عصر العولمة والتحديات التي تواجهها فيه هي الأدوار والتحديات المتعددة الأبعاد. لذلك فلا بد أن يكون المنهج المتبع لتعليم هذه اللغة وتعلمها مصمما تصميما كاملا ومبنيا بناء شاملا على عدة أسس أهمها ما يلي:
1.1. الأسس النفسية
تتعلق هذه الأسس بالجوانب النفسية التي لها أثر كبير في تعليم اللغة العربية وتعلمها للأجانب ومن ثم يجب مراعاتها في عملية بناء المنهج من جانب ويجب من معالجتها في تطبيق المنهج من جانب آخر. وثمة جوانب كثيرة تنضوي على هذه الأسس نذكر أهمها وأشدها ضرورة في عملية بناء منهج تعليم اللغة العربية وتعلمها في عصر العولمة، وهي:
- الدافعية
وهي قوة نفسية دافعة تلعب دورا بالغ الأهمية أثناء عملية التعليم والتعلم لدرجة أن يصدق أن أي طالب أجنبي لن يستطيع أن يتعلم اللغة العربية ما لم تكن لديه الدوافع أو الرغبة في تعلمها، ذلك لأنَّ الدوافع هي التي تدفعه إلى بذل ما لديه من طاقة عقلية وجسمية من أجل إتقانها.[5] والدافعية نوعان هما الدوافع الوسيلية (Instrumental motivations) والدوافع التكاملية (Integrative motivations). إن الدوافع الوسيلية تدفع الأجانب إلى تعلم اللغة العربية من أجل قضاء حاجات قصيرة المدى، مثل الحصول على الوظيفة الشاغرة، أو التمتع بالسياحة، أو الاستجابة لمتطلبات مقرر دراسي معين أو الحصول على درجة علمية أو اكتساب المهارة للاتصال بالكتابة المعينة، أو الاستجابة لشعائر دينية يلزمهم أدائها بهذه اللغة. أما الدوافع التكاملية فهي التي تستحث الأجانب على تعلم اللغة العربية من أجل تحقيق أهداف أهمها: الاتصال بمتحدثي اللغة العربية وممارسة لغتهم وفهم ثقافتهم وتقاليدهم.[6] وهناك نوع آخر من الدافعية وهي الدافعية الانتمائية[7]، وهي ما يستحث الأجانب على تعلم اللغة العربية من أجل الانتماء إلى المجتمع العربي والاندماج فيه.
والجدير بالتأكيد هنا أن هذه الأنواع من الدافعية ليست أساسا من أسس بناء المنهج فقط وإنما يجب أن تكون هدفا من أهدافه أيضا بمعنى أن المنهج المصصم لتعليم اللغة العربية يجب أن يسعى إلى تقوية هذه الدافعيات - خاصة الدافعية التكاملية- وتوطيدها في صدور متعلمي هذه اللغة العربية. ذلك لأن من أبزر المشكلات التي يتعرض لها متعلمو اللغة العربية الأجانب هي قلة الدافعية وانعدامها نتيجة اتجاهاتهم السلبية لهذه اللغة واعتبارهم إياها بأنها لا تلبي متطلبات حياتهم في عصر العولمة.
وعملية توطيد الدافعية يمكن أن تتم من خلال المعلم أثناء عملية التعليم والتعلم وذلك عن طريق –على سبيل المثال لا الحصر- إفهام الطلاب أن تعلم اللغة العربية سوف يساعدهم على تحسين مستواهم وأوضاعهم من خلال العمل في المجالات التي تطلب إجادة اللغة العربية.[8] وتحقيقا لذلك يجب أن تكون المواد التعليمية وطريقة تدريسها وضعت ووظفت بطريقة تثير وتوطد دافعية إيجابية لدى الطلاب لإيجاد اللغة العربية.
- الاتجاهات
يمكن تعريف الاتجاهات (Attitudes) بأنها هي حالات استعداد عقلي وعصبي نُظِّمَت عن طريق التجارب الشخصية وتعمل على توجيه استجابة الفرد لكل الأشياء والمواقف التي تعلق بهذا الاستعداد.[9]وفي مجال تعليم اللغة العربية قد تكون الاتجاهات إيجابية ومن ثَمَّ تلعب دورا إيجابيا في عملية تعليم اللغة العربية وتعلمها، وقد تكون سلبية ومن ثم تلعب في أغلب الأحيان دورا سلبيا في تعليم هذه اللغة وتعلمها.
واتجاهات الأجانب نحو اللغة العربية وتعليمها وتعلمها –شأن دوافعهم لذلك- يمكن وصفها بصفة عامة سلبية. ذلك لأن العولمة التي تأتي من خلال سيطرة اللغة الغربية وهيمنة الثقافات الغربية قد جعلت أبناء المسلمين يرون أن هذه الثقافة المهيمنة وتلك اللغة المسيطرة هي الخيار الوحيد الذي يمكنهم من عيشة هذا العصر بصورة أفضل وهذا يكرس لديهم اتجاهات إيجابية نحو لغات هذه الثقافة وتكرس في المقابل اتجاهات سلبية نحو لغات الثقافات غيرها بما فيها اللغة العربية والثقافة الإسلامية حيث يعتبرون بأنها لا تلعب دور يذكر في فوز منافسات الحياة في العصر الحاضر.
لذلك فلا بد في عملية بناء منهج اللغة العربية من مراعاة هذه الجانب النفسي لتكون ليس أساسا من أسس هذه العملية فقط وإنما أيضا هدفا من أهدافها. لذا يجب أن تتكون بنية المنهج من عناصر تستطيع أن تكرس اتجاهات إيجابية لدى الأجانب تجاه اللغة العربية وتعليمها وتعلمها. ويمكن أن يتم ذلك من خلال إدماج في محتوى المنهج ما يبرز صورا تستحق التقدير وتثير الاهتمام من اللغة العربية وثقافتها.
2.1. الأسس اللغوية
تتعلق هذه الأسس بالجوانب اللغوية التي يجب أن يتمحور حولها بناء منهج تعليم اللغة العربية. وهذه الجوانب كثيرة ولعل أهمها دورا لإنجاح تعليم اللغة العربية في عصر العولمة ما يلي:
- الجانب الاتصالي
إن كون اللغة وسيلة للاتصال أوضح من أن يناقش. فاللغة يستخدمها الإنسان للتعبير عن أفكاره وأغراضه تحقيقا للاتصال. بل إن اللغة تتكون نتيجة لوجود رغبة الإنسان كمخلوق اجتماعي في قضاء حاجاته للاتصال.
ويعني هذه الطبيعة الاتصالية للغة في مجال تعليم اللغة العربية أن يتكون المنهج مما يمكن الطلاب من التواصل بهذه اللغة بشتى أشكال الاتصال في مواقف مختلفة.
والتركيز على هذا الجانب الاتصالي في وضع منهج تعليم اللغة العربية ضروري لسببين: أولا، أن هناك دراسات دلت على أن المنهج الذى يفصل تعلم اللغة وتعليمها من طبيعتها الاجتماعية (طبيعة اتصالية) لن يحقق نتائج مرضية.[10] وثانيا، أن هناك اتجاهات سلبية عامة لدى الأجانب في تعليمهم وتعلمهم اللغة العربية وهي أن يتعلموا هذه اللغة ليست لأغراض اتصالية وإنما لأغراض دينية وهي تعليم العربية وتعلمها كوسيلة لفهم النصوص الدينية. ويترتب على ذلك تدني القدرة اللغوية الاتصالية لدى الأجانب على استخدام اللغة العربية اللغة مما يؤدي إلى قلة استخدامها اتصاليا في الدول الأجنبية خاصة في الوقت الذي نجح مجال تعليم اللغات الأجنبية الأخرى وفي مقدمتها الإنجليزية في تنمية المهارات الاتصالية بين متعلميها.
إن تعلم اللغة العربية من أجل الأهداف الدينية ليس عيبا بكل التأكيد إلا أن التركيز البالغ عليه يحرم المتعلمين الأجانب من إجادة اللغة العربية بصورة كاملة وشاملة وذلك لانحصار اهتمامهم على النحو والترجمة واستهانتهم بمهارات استخدام اللغة مثل مهارة الكلام والكتابة بوصفهما وظيفتين اتصاليتين أساسيتسن أساسية للغة العربية. إلى جانب ذلك إن تعليم اللغة العربية وتعلمها على مثل هذا الاتجاه لا يتماشى مع وظائف مستجدة للغة العربية في عصر العولمة بوصفها لغة أجنبية التي لا ينحصر استخدامها على المجال الديني فقط وإنما قد توسع استخدامها لتكون لغة اتصالية في كل مجالات الحياة مثل المجالات الأكاديمية، والسياسية، والثقافية، والدبلوماسية، والسياحية، والصحافية، وغيرها من المجالات.
لذا فالتركيز على هذا الجانب الاتصالي في تعليم اللغة العربية –مرة أخرى- ضرورية للغاية. وتحقيقا لهذا يجب أن يكون محتوى المنهج مشتملا على المواد الاتصالية للغة العربية بشتى ألوانها. وهذا المحتوى يجب أن يكون تقديمه على المستوى التعليمي من خلال الطرائق، والأساليب، والوسائل التي تتبنى مدخلا اتصاليا وكل ذلك يتم في ضوء ما يعرف بعملية "تعليم اللغة اتصاليًا".[11]
- الجانب الثقافي
تقوم بين اللغة والثقافة علاقة وطيدة ترجع إلى عدة أسباب أهمها: أولاً، أن اللغة تربط بين الثقافة وأبنائها.[12] فالطفل يكتسب ملامح ثقافة بيئته من خلال اللغة. وثانيـًا، أن اللغة تنقل الثقافة إلى خارج حدودها،[13] واللغة لا تكسب الثقافة لأبنائها فقط بل تنقلها من شعب إلى شعب ومن جيل إلى آخر. وهذا يعني أن تعليم أية لغة وتعلمها لا بد أن يتم في إطار ثقافتها، وإلا فلن ينجح.
ولكنه من الأسف الشديد أن هذا الجانب الثقافي هو أكثر ما يهمل في مجال تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها وذلك نتيجة رؤية أحادية الجانب بأن الثقافة الإسلامية التي يتم في إطارها تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها هي الثقافة الإسلامية السائدة في الدول العربية فقط دون غيرها من ثقافات الشعوب الإسلامية في الدول الأجنبية. وهذا يخالف تمام المخالفة لمفهوم الثقافة الإسلامية التي تعني المعتقدات والمفاهيم والمبادئ والقيم وأنماط السلوك التي يقرها الدين الإسلامي متمثلا في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ومن ثم فإنَّ هذه الثقافة تقتصر على المجتمعات الإسلامية بغض النظر عن المكان والزمان".[14] كما يخالف طبيعة اللغة العربية التي ترتبط بثقافة الناطقين بها بصفة خاصة، وبثقافة الناطقين بغيرها من الشعوب الإسلامية بصفة عامة ارتباطا عضويا يصعب معه أن يحدث الانفصال بينهما.[15]
وينتج من ذلك عدة أمور لعل أوضحها وأخطرها انحصار مواد تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها على الموضوعات حول الثقافة العربية الإسلامية، مما يجعل هذه المواد غريبة إلى حد كبير بالنسبة للناطقين بغير العربية وتجعلهم يشعرون بأن اللغة العربية لا تخدم احتياجات للاتصال بهذه اللغة في إطار بيئتهم وثقافتهم المحلية.
لذلك فلا بد من مراعاة هذا الجانب الثقافي في بناء منهج تعليم اللغة العربية خاصة في اختيار محتواه وتنظيمه لكي تقدر هذه اللغة بما تحمله من القيم الثقافية الإسلامية على مواجهة تحديات العولمة. لأن تعليم اللغة وتعلمها في هذا العصر يعني تعليم وتعلم ثقافتها وانتشار اللغة يعني انتشار ثقافتها. فليس علينا أبناء هذه اللغة في مواجهة هيمنة الإنجليزية والثقافة الغربية إلا تحبيب هذه اللغة القرآنية إلى أبناء المسلمين وغرس قيم ثقافتها الإسلامية في صدورهم لكي يستطيعوا مواجهة تيار العولمة بهويتهم الخاصة وهي الهوية اللغوية العربية والثقافية الإسلامية.
- الجانب التكنولوجي
إن تعليم اللغات الأجنبية في ضوء اتجاه العولمة يتآزر مع التطورات التكنولوجية. وذلك على أساس الفرضية أن التطورات التكنولوجية تأتي دائما لتلبية احتياجات الإنسان فاللغة بوصفها حاجة من حاجات الإنسان الأساسية لا بد أن تواكب كل تطور من هذه التطورات التكنولوجية. فالاتصال اللغوي في شتى أشكالها يتم اليوم مستعينا بكل أنواع الآلات التكنولوجية الحديثة. وكذلك في مجال تعليم اللغة حيث أصبحت عملية تعليم اللغة وتعلمها توظف كل أنواع التكنولوجية مما يجعلها أكثر فعالية.
ومن الأسف أن مجال تعليم اللغة العربية لم يستفد بصورة مرضية من هذا التطورات التكنولوجية. بل إن الاستفادة من التكنولوجية لم تكن مما يراعي في عملية بناء المنهج بحيث تنبني العملية على عدة أسس لم تكن الأسس التكنولوجية منها. ومما يترتب على ذلك تخلى عملية تعليم اللغة العربية وتعلمها من الاستعانة بالوسائل التكنولوجية الذي يؤدي بدوره إلى شيئين: عدم فعالية عملية التعليم والتعلم ذاتها من جانب، وتدني مهارة الطلاب على استخدام التكنولوجية في التواصلي اللغوي من جانب آخر. ذلك إلى جانب أن هذه المشكلة تؤثر سلبيا على أداء المعلمين حيث أشارت العديد من الدراسات أن أغلبية المعلمين لا يجيدون استخدام الوسائل التكنولوجية التعليمية، وإن أجادوها لا يرغبون في الاستفادة منها في عملية تعليمية. هذا كله على حساب اللغة العربية نظرا لأن العولمة اللغوية في هذا العصر تتماشى مع العولمة التكنولوجية مما يعني أن اللغة التي لا تواكب التطورات التكنولوجية ستكون معزولة من ديناميكيات عصر العولمة.
لذلك فمن الضرورة بمكان الاهتمام باستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة في تعليم اللغة العربية وتعلمها لكي تزيد العملية نفسها فعالية ولكي يتدرب الطلاب الاتصال اللغوي مستخدمين الوسائل التكنولوجية الحديثة. وتحقيقا لذلك فلا بد من توفير كل أنواع الوسائل التكنولوجية التعليمية في مراكز تعليم اللغة العربية وتدريب المعلمين على استخدام هذه الوسائل في عملية التعليم.
ب. السياسة اللغوية
من الملاحظة أن تعليم اللغات الأجنبية في العصر الحاضر خاصة المهيمنة منها مثل الإنجليزية لا يعتمد على المنهج فقط وإنما أيضا على سياسة لغوية تدعمه. لأن المنهج مهما كان فعالا لن يضمن نجاح تعليم أي لغة أجنبية في نطاق واسع ما لم تكن هناك سياسة لغوية تدعمه سواء أكانت تلك السياسة سياسة دولية وضعتها الدول الناطقة بتلك اللغة أم سياسة وطنية وضعها كل بلاد تدرس فيه تلك اللغة.
ومن الأسف الشديد أن اللغة العربية بصفها لغة أجنبية كان ومازال تعليمها يعتمد على المناهج التعليمية فقط ولم تكن هناك أية سياسة لغوية واضحة وضعت لدعم ذلك سواء أكانت ذلك سياسة دولية تطبق في جميع الدول الأجنبية أم سياسة محلية تخص دولة معينة تعني بتعليم اللغة العربية. وهذا يجعل تعليم اللغة العربية كلغة أجنبية يلجأ كثيرا إلى كونها لغة دينية مما يعني أن تعليمها وتعلمها تحدده رغبة المسلمين في فهم دينهم. إذا قويت هذه الرغبة زادت رغبتهم في تعلم اللغة العربية والعكس صحيح.
لذلك فمن الضرورة بمكان مبادرة وضع سياسة لغوية دولية كانت أم وطنية لدعم تعليم اللغة العربية لكي تستطيع مواكبة العولمة اللغوية في العصر الحاضر. والسياسة اللغوية تغطي جوانب كثيرة يمكن ذكر أهمها فيما يلي:
ب.1. السياسة في مجال تأهيل المعلمين
يمكن أن تتمثل السياسة اللغوية العربية بهذا المجال في تنسيق الدورات التدريبية لمعلمي اللغة العربية وذلك بهدف تزويد المعلمين على أيدي الخبراء بأحدث التقنيات التعليمية التي يمكن لهم تطبيقها في رفع مستوى تعليم اللغة العربية أينما كانوا. وتتمحور المواد المتدرب عليها حول تصميم المنهج وتطويرها، إدارة المواد التعليمية وتطويرها، طرائق التدريس وأساليبها، إدارة الوسائل التعليمية واستخدامها، إدارة نظام التقويم وأدواته، وثقافة اللغة العربية.
ويمكن تنسيق هذه الدورات التدريبية في مرحلتين تتخذ المرحلة الأولى شكل "تدريب المعلمين المدرِّبين" وهو تدريب مجموعة من المعلمين البارزين الذين سوف يكونون فيما بعد مدربين لزملائهم المعلمين الآخرين. وتتمحور المواد التي يتدربون عليها حول الخبرات المعرفية والثقافية وغيرها من الخبرات التي تفيدهم في تحسين مستواهم في أداء مهنتهم. أما المرحلة الثانية فتتم على شكل "تدريب أثناء الخدمة" وهو تدريب معلمي اللغة العربية وليس إعداد معلمي اللغة العربية مما يعني أن المشاركين في هذا النوع من التدريب هم الذين يتخصصون في تعليم اللغة العربية ويعملون عليه.
وقد قامت بعض الدول بممارسة مثل هذه السياسة اللغوية في برامج تأهيل معلمي اللغة الإنجليزية مثل أستراليا من خلال تدريبات أثناء الخدمة لمعلمي اللغة الإنجليزية في إندونيسيا التي تهدف إلى تزويد المعلمين بكل ما يحتاجون إليه في رفع أدائهم التعليمي من خبرات معرفية ومهنية وثقافية. وبالطبع أن مثل هذه السياسية اللغوية تلعب دور يذكر في رفع مستوى تعليم اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية في إندونيسيا ومن ثم تكوين لدي المجتمع الإندونيسي اتجاهات إيجابية تجاه هذه اللغة وثقافتها ودوافع قوية لتعليمها وتعلمها.
ب.2. السياسة في تصميم المواد التعليمية وتطويرها
تتعلق هذه السياسة ببرامج مخططة في تأليف السلسلة التعليمية المتكاملة المضمون ليس فقط من الناحية اللغوية وإنما أيضا من الناحية التعليمية والثقافية. بعبارة أخرى أن السلسلة التعليمية المقصودة هي التي تغطي من الناحية اللغوية أغنى المواد اللغوية العربية في ضوء المهارات اللغوية الأربع، ومن الناحية التعليمية تنبني على أحدث نظريات ومبادئ تعليمية، ومن الناحية الثقافية تغطي الملامح والقيم الأساسية لكل من ثقافة الناطقين بالعربية وثقافة المتعلمين الناطقين بغيرها.
وتأتي أهمية تأليف مثل هذه السلسلة التعليمية من أن أهم ما يعاني منه مجال تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها –خاصة من الإندونيسيين- هو انعدام الكتب التعليمية الجيدة. إن الكتب المستخدمة لتعليم العربية حتى الآن يمكن وصفها بوجه عام غير جيدة حيث أن لها قصور من الناحية التالية:
- الناحية اللغوية. إن الكتب التعليمية لم تغط جميع المهارات الأربع بصورة متوازنة حيث تحظي مهارة القراءة أكثر اهتمام مما تحظيه المهارات الأخرى. ويترتب على ذلك ترقية مهارة الطلاب في القراءة وتدني مهارتهم في الاستماع والكلام والكتابة.
- الناحية الثقافية. إن الكتب التعليمية -سواء كانت الصادرة من الدول العربية أم المؤلفة في الدول الأجنبية- لم تستمد موضوعاتها من الثقافات الإسلامية المحلية التي ينتمي إليها المتعلمون الأجانب. ويترتب على ذلك عدم انفعال المتعلمين بهذه الموضوعات وتكوّن لديهم اتجاهات سلبية تجاه اللغة العربية بأنها لغة تخص ثقافة العرب وبيئتها ولم تتناول ثقافتهم وبيئتهم ويشعرون بأنها غير قابلة للتعبير عن أنفسهم وأفكارهم وبيئتهم.
- الناحية التعليمية. إن المواد التعليمية في الكتب التعليمية لم يتم اختيارها وتنظيمها بشكل يراعي المبادئ التعليمية. ولعل أبرز ما يؤكد ذلك أن ترتيب المواد التعليمية خاصة الموضوعات النحوية يتقيد بتبويب الكتب النحوية وليس على أساس الاحتياجات اللغوية للمتعلم. ولعل أهم ما يقف وراء ذلك عدم استفادة عملية اختيار المواد وتنظيمها من الدراسات التقابلية بين اللغة العربية ولغة المتعلم.
وبما أن هذه السلسلة التعليمية المراد تأليفها متكاملة من حيث المحتوى اللغوي ومتوازنة من حيث المحتوى الثقافي فلا بد في عملية تأليفها من التعاون والعمل الجماعي بين خبراء تعليم اللغة العربية العرب ونظيرهم الأجنبيين، مثل التعاون بين خبراء تعليم اللغة العربية العرب ونظيرهم الإندونيسيين في تأليف السلسلة التعليمية لتعليم اللغة العربية في إندونيسيا.
ب.3. السياسة في بناء المؤسسات اللغوية أو مراكز النشاط اللغوي
مما لا يختلف فيه اثنان أن من أهم العوامل المدعمة لهيمنة اللغات الغربية وسيادتها في العصر الحاضر هو وجود المؤسسات اللغوية التي أسست بهدف توفير كل ما يحتاج إليه المتعلم الأجنبي في إجادة هذه اللغات. اللغة الإنجليزية على سبيل المثال قد أصبحت لغة سائدة في إندونيسيا لأن تعليمها وتعلمها مدعوم بالمؤسسة اللغوية مثل المؤسسة البريطانية (British Council) ومؤسسة تعاونية إندونيسية أمريكية لتعليم اللغة الإنجليزية (ما يعرف في إندونيسيا بـ PPIA, LIA ). وهذه المؤسسات تقدم برامج تعليم اللغة الإنجليزية على جميع المستويات من الابتدائي حتى المتقدم وتوفر كل الوسائل والتسهيلات وغيرها مما يحتاج إليه الإندونيسيون في تعلم الإنجليزية مثل المعلومات عن الدراسات والمنحة الدراسية في الجامعات الغربية. وبقدر متباين قامت بهذا الإنجاز اللغات الغربية الأخرى مثل الفرنسية والألمانية.
واللغة العربية رغم كونها من أكبر اللغات الأجنبية لم تحظ من مثل هذه السياسة ما يكفي من الدعم بل لم تكن هناك أي مؤسسة لغوية بنيت لتوفير كل ما يحتاج إليه الأجنبيون لإجادة هذه اللغة. لذلك فليتبادر المعنيون بتعليم هذه اللغة إلى التعاون في بناء مؤسسات لغوية في الدول الأجنبية لتقديمهم جميع الوسائل والتسهيلات المساعدة في تعلم اللغة العربية خاصة ما يسد القصر في المواد المقروءة حول اللغة العربية وثقافتها وتوفير الفرص للدراسة في الدول العربية مما يمكن الأجانب من الحياة مع هذه اللغة وثقافتها في بيئتها الطبيعية.
الخاتمة
أشار ما تقدم عرضه إلى أن مجال تعليم اللغة العربية يجابه تحديات كبيرة في ظل العولمة. وعند مواجهة هذه التحديات لا يتوافر لدينا إلا خيار وحيد وهو تغيير اتجاهنا في تعليم هذه اللغة نحو ما يحافظ على طبيعها كلغة الدين الإسلامي والثقافة الإسلامية من جانب ويضمن وجوديتها في ظل العولمة اللغوية في العصر الحاضر من جانب آخر. ويبدو أن يستحيل علينا ذلك إلا إذا تبادرنا إلى وضع منهج وسياسة يمكنها من مواجهة تحديات العولمة وتلبية متطلباتها.
لقد حان الوقت ألا نلجأ في تعليم اللغة العربية إلى كونها لغة الدين الإسلامي التي يرغب في تعليمها وتعلمها المسلمون في كل زمان ومكان ولا إلى كونها لغة القرآن المضمون بقاؤها ولا نتخذ من ذلك مبررا لنستسلم أمام ضعفنا وتخلفنا في هندسة تعليم هذه اللغة. قد حان الوقت ألا نكتفي ونرضى ببقاء هذه اللغة دون سيادة وهيمنة ضمن غيرها من اللغات الحية في هذا العصر. إنه علينا الآن أن نحملها على السيادة والهيمنة بكل وسيلة ممكنة منهجا وسياسة لتهيمن على غيرها من اللغات الحية في هذا العصر وتسود معها قيم ثقافتها الإسلامية في الحياة المعاصرة.
المراجع
رشدي أحد طعيمة، الأسس المعجمية والثقافية لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، جامعة أم القرى، معهد اللغة العربية، مكة المكرمة، 1402هـ/1982م
رشدي أحمد طعيمة، المدخل الاتصالي في تعليم اللغة، سلطانة عمان، 1997م
رشدي أحمد طعيمة، تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها: مناهجه وأساليبه، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة-إيسيسكو، الرباط، 1989م
عبد الحميد عبد الله وناصر عبد الله الغالي، أسس إعداد الكتب التعليمية لغير الناطقين بالعربية، دار الغالي، الرياض، 1991م
كمال بشر، اللغة العربية بين العوربة والعولمة، مقالة مقدمة في مؤتمر مجمع اللغة في دورته الثامنة والستين يوم الاثنين 18 من المحرم سنة 1423هـ الموافق 1 من أبريل (نيسان) سنة 2002م.www.arabicademy.org.eg
محمد على الخولي، الحياة مع لغتين: الثنائية اللغوية، دار الفلاح للنشر والتوزيع، الأردن، 2002م
نبيه إبراهيم إسماعيل، الأسس النفسية لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، مكتبة الأنجلو المصرية.
Christopher Brumfit, Communicative Methodology in Language Teaching,
S. Pit Corder, Introducing applied Linguistics, Hazell Watson & Viney Ltd.,
[1] كمال بشر، اللغة العربية بين العوربة والعولمة، مقالة مقدمة في مؤتمر مجمع اللغة في دورته الثامنة والستين يوم الاثنين 18 من المحرم سنة 1423هـ الموافق 1 من أبريل (نيسان) سنة 2002م.www.arabicademy.org.eg
[5] نبيه إبراهيم إسماعيل، الأسس النفسية لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، مكتبة الأنجلو المصرية، ص: 28.
[6] رشدي أحمد طعيمة، تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها: مناهجه وأساليبه، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة-إيسيسكو، الرباط، 1989م ص: 81.
[7] محمد على الخولي، الحياة مع لغتين: الثنائية اللغوية، دار الفلاح للنشر والتوزيع، الأردن، 2002م، ص: 74.
[10] Christopher Brumfit, Communicative Methodology in Language Teaching,
[11] لهذا المصطلح تعريفات كثيرة منها التعريف بانه: "جعل الكفاية الاتصالية ( (communicative competence الهدف الرئيسي من تعلم وتعليم اللغة"، انظر: رشدي أحمد طعيمة، المدخل الاتصالي في تعليم اللغة، سلطانة عمان، 1997م، ص: 25.
[12] S. Pit Corder, Introducing applied Linguistics, Hazell Watson & Viney Ltd., Great Britain, 1975, p: 70.
[14] عبد الحميد عبد الله وناصر عبد الله الغالي، أسس إعداد الكتب التعليمية لغير الناطقين بالعربية، دار الغالي، الرياض، 1991م، ص: 20.
[15] رشدي أحد طعيمة، الأسس المعجمية والثقافية لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، جامعة أم القرى، معهد اللغة العربية، مكة المكرمة، 1402هـ/1982م، ص: 20.
|
مقتطفات من شتى العلوم وكثير من اللغة العربية وفروعها ستجد هنا الفائدة ممزوجة بالمتعة والمعرفة مخلوطة بالجمال !
بحث هذه المدونة الإلكترونية
الصفحات
الخميس، 13 نوفمبر 2014
تعليم اللغة العربية في ضوء مواجهة تحديات العولمة وتلبية متطلباتها: منهجا وسياسة
" نحو بناء لغوي متماسك "
" نحو بناء لغوي متماسك "
ورقة عمل مقدمة إلى المؤتمر العالمي الأول للغة العربية وآدابها " إسهامات اللغة والأدب في البناء الحضاري للأمة الإسلامية – تحت محور سبل توجيه عملية تعليم اللغة العربية وتعلّمها نحو البناء الحضاري للأمة "
18 – 20 ذو القعدة 1428هـ / 28 – 30 نوفمبر 2007م
إعداد
د . دخيل الله بن محمد الدهماني
كلية التربية – جامعة أم القرى
1428هـ / 2007م
مقدمة :
إن أيَّ مجتمع ينشد التقدّم والرقي ، ويبحث لنفسه عن مكان مميّز في هرم الحضارة ؛ لابد وأن يحسنَ العناية بلغته ، ويعملَ جاهداً ، بما أوتي من بصيرة ، على تذليل الصعوبات والعقبات التي تعترض مسيرة تعليمها ، ويبحثَ عن كل ما من شأنه تطوير تعليمها وتعلّمها بحيث يساير الاتجاهات التربوية الحديثة في تعليم اللغات وتعلّمها ؛ ليكون تعليمُها تنميةً لفكر الإنسان ، وصوغاً لوجوده الداخلي .
ومن المؤكّد أن أول متطلبات الارتقاء والنهوض بتعليم اللغة العربية أن يكون هناك تخطيطٌ لغويٌّ محكمٌ ، لا يقلُّ الاهتمام به عن أي تخطيط اقتصادي ، أواجتماعي ، أوعسكري ؛ لأن اللغة هي صائغةُ الوجود الداخلي للإنسان والأمة بأسرها ، بل إن أيَّ تخطيط لجانب من جوانب الحياة في الأمة ، لا يستقيم أمره ، بعيداً عن التخطيط المحكم لسلامة وصحة الوجود الداخلي للإنسان نفسه ، ولفكر الأمة ، وعلى رأس قائمة هذا التخطيط يتربّع التخطيط اللغوي ( عثمان ، 1986م : 20 -21 ) .
تؤكد الأدبيات المتاحة في مجال تعليم اللغة على أن من مهام التخطيط اللغوي تصميم المداخل التعليمية المتسقة مع طبيعة اللغة ، وطبيعة تعلّمها وتعليمها ، ومع نتائج البحوث في علم اللغة الحديث ، وما يناسبها من طرق التدريس التي تتيح للمتعلّم ممارسة اللغة ، واستخدامها ؛ وصولاً إلى الاستدخال اللغوي ، الذي يؤدي بالمتعلّم إلى تعلّم اللغة ، وبالتالي تماسك لبنات بنائه اللغوي .
إن تصميم المداخل التعليمية يساعد واضعي مناهج تعليم اللغة ومنفذيها على توجيه تعليمها وتعلّمها نحو تحقيق غاياتتها ؛ حيث إن تصميم المداخل يشير إلى النظرية اللغوية التربوية التي يتبناها واضعو المنهج التعليمي اللغوي ، مما يؤمّن المناخ التعليمي الملائم لسير العملية التعليمية ، ويعمل على تحقيق أفضل النتائج .
وجدير بالذكر أن المدخل التعليمي تتبلور فيه فلسفة تعليم اللغة وتعلّمها ، وتؤطَّر فيه كافة المناشط الفاعلة للارتقاء بالأداء اللغوي للمتعلمين ، في صورة برامج تعليمية تتحقق فيها فلسفة المعرفة ، وأسس التربية ونظريات علم اللغة ، ونظريات علم النفس اللغوي ، ونظريات علم اللغة الاجتماعي ؛ لتحقيق أهداف تعليم اللغة ، وإحداث تعلّم لغوي أفعل ،كما تتحقق في المدخل أسس بناء مناهج تعليم اللغة ، وتنظيم محتواها ، وتحديد طرق التدريس المستخدمة ، والوسائل وأساليب التقويم وأدواته .
وقد تجاذبت تعليم اللغة تنظيراً وتطبيقاً مداخل عديدة ، كان من أبرزها : المدخل الموضوعي " التفريعي " ، والمدخل التكاملي ، والمدخل المهاري ، والمدخل الاتصالي ، والمدخل الوظيفي . وهذه المداخل ليست الوحيدة التي توجه ، وتضبط تعليم اللغة ، وإنما هناك مداخل أخرى كثيرة ، بعضها يتصل بالنشاط اللغوي ، وتحديد الأهداف ، وتنمية الإبداع ، وتفريد التعليم ، والتعلّم الذاتي ، فضلاً عن المدخل التقني الذي أخذ يفرض نفسه بقوة على تعليم اللغة ؛ استجابة طبيعية للتفجر العلمي والتطور التقني في العصر الحاضر .
وبمراجعة أدبيات تعليم اللغة العربية يتبيّن أن حظ تعليمها من هذه المداخل قليلٌ جداً مقارنة بتعليم اللغات الأجنبية ؛ فتعليم اللغة العربية ما زال يستند إلى مداخل تقليدية عفى عليها الزمن ، لم يعد لها ذكر سوى في أدبيات تعليم اللغة العربية ، حيث مازالت مناهج تعليمها في مراحل التعليم – في غير بلد عربي - تصمم وفق المدخل الموضوعي " التفريعي " مدخل تفتيت الخبرة اللغوية ، التي يفترض أن تقدّم للمتعلّم متكاملة تكامل اللغة نفسها .
إن اللغة العربية لغة القرآن الكريم ، والسنة النبوية الشريفة ، ولغة الخطاب ، ولغة التعليم في غير بلد عربي إسلامي ، بها يتعلّم التلاميذ ، وبها يعبرون عن أفكارهم ، وأحاسيسهم ، ورغباتهم ، وحاجاتهم ، فضلاً عن اكتسابهم – عن طريق تعلّم اللغة – طرق التفكير في المجتمع . وفي هذا السياق يؤكّد لويس ( 1959م : 49 ) على أن الفرد يكتسب من اللغة طرق التفكير في المجتمع الذي يعيش فيه ، وأن في اكتساب الطفل اللغة في المدرسة اكتساباً لطرق التفكير في المجتمع .
ومن المؤكّد أن الاهتمام باللغة العربية تعلماً وتعليماً اهتمام بالقرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة ، ومحافظة على الهوية العربية الإسلامية من الذوبان ، وأن أيَّ تخطيطٍ في المجتمع ينبغي أن يكون على رأسه تخطيط لغوي يعبر عن فكر الأمة ؛ ذلكم أن حياة الأمة مرهونة بحياة لغتها ، وارتفاع بنيان حضارة الأمة معتمد على ارتفاع لغتها ، وأن اللغة عندما تقوى تشتدّ أركان الحضارة ( عثمان ، 1986م : 19 ) .
وحيث ذلك ، فإن تبني أفكار مُدْخل تعليمي يساير طبيعة اللغة العربية في بناء مناهج تعليمها ، وتطوير طرق تدريسها ، وتعليمها للتلاميذ في مراحل التعليم العام يعتبر مطلباً تربوياً وتعليمياً ملحاً ، للتخفيف من الأزمة التربوية الحادة المتمثلة في تدني كفاءة وفاعلية مخرجات التعليم بكافة مراحله ومستوياته ، ومنها المخرج اللغوي .
مفهوم المدخل :
تعرّفُ بعض أدبيات تعليم اللغة العربية المُدْخل Approach لغوياً على أنه مكان الدخول وزمانه ، فهو اسم زمان واسم مكان معاً ، أي يناط به تحديد نفطة البداية المكانية ، وزمان البداية في أي نشاط ، وفي مجال التربية يعني المُدْخل الترجمة التربوية لنظرية المعرفة في صورة برامج تعليمية تتحقق فيها فلسفة المعرفة نفسها ، وأسس التربية ونظريات علم النفس ؛ من أجل تحقيق الأهداف المبتغاة سواء أكانت أهدافا للمجتمع أم للفرد ، وتتحقق في المدخل أسس المناهج ، وتستوفى عناصرها المعروفة : أهدافاً ومحتوىً وطرائق تدريس ومناشط تعليمية وأساليب تقويم ( الناقة ، 1985م : 51 ) .
ويرى بعض المختصين بتعليم اللغة أن المُدْخل هو عبارة عن مجموعة افتراضات ( لغوية ونفس لغوية ولغوية اجتماعية ) تربطها مع بعضها علاقات متبادلة ، تتصل اتصالاً وثيقاً بطبيعة اللغة ، وطبيعة عمليتي تعليمها وتعلّمها ، إنه عملية اختيار منظمة تتمخّض عنها المبادئ الرئيسة لخطة تعليم اللغة ، وتستند إلى نتائج العلوم المتداخلة : علم اللغة ، وعلم النفس اللغوي ، وعلم اللغة الاجتماعي ( بادي ، 1406هـ : 86 ) .
إن عملية وضع مُدْخل لتعليم اللغة عملية تُنسجُ خيوطها الفكرية على مستوى التخطيط اللغوي قبل تصميم مناهج تعليم اللغة وبنائها ، عملية ترتبط بكيفية اختيار المادة اللغوية التعليمية ، وكيفية تدريج المادة اللغوية التعليمية التي تمّ اختيارها ، وكيفية تقديم المادة التعليمية اللغوية التي أُختيرت ودُرِّجت ، ثم بعد هذا وذاك كيفية تقويم ما اختير وما دُرِّج وما قدِّم .
ومن المؤكّد أن تبني مُدْخلاً بعينه لتعليم اللغة وتعلّمها عملية فكرية قائمة على التخطيط المحكم والأفعال العقلانية بعيدة كل البعد عن العشوائية والارتجال ، تنعكس نتائجها على تخطيط مناهج تعليم اللغة وبنائها ، وتنفيذها ، وتقويمها وتطويرها . فالمدخل التعليمي اللغوي الذي يتبنى فكرة الكم اللغوي واعتبار اللغة كماً من المواد الدراسية ( فروعاً ) ؛ سيرتكز في اختيار المادة التعليمية اللغوية وتنظيمها وعرضها على تفتيت اللغة في مواد مستقلة مجزأة ، لكل مادة منهجها ، وكتبها ، وحصصها ، ومناشطها اللغوية المستقلة ، وكذلك تقويمها بمعزل عن تقويم غيرها من المواد اللغوية الأخرى ، بل وربما كان لكل مادة منها معلّمٌ مختصٌ بتعليمها !! أما المدخل التعليمي اللغوي الذي يتبنى فكرة التكامل أسلوباً في اختيار المادة التعليمية اللغوية وتنظيمها وتقديمها وتقويمها ؛ فإنه سوف ينطلق من فكرة ترابط مهارات اللغة وتكاملها ووظيفيتها متجاوزاً التفريع إلى التكامل والوحدة .
إن الأفكار التي ينطوي عليها المدخل التعليمي اللغوي تأخذ طريقها إلى معلمي اللغة لتنفيذها من خلال وثيقة المنهج ، فيتأثرون بها ؛ فالمعلّم الذي يعتقد بأن تعليم اللغة تعليم موادٍ لغوية منفصلة سوف يعنى بالمعرفة اللغوية على حساب مهارات اللغة ووظيفتها وتعليم ثقافة اللغة ، وبالتالي سيوجِّهُ أساليب التدريس وإجراءاته ومناشطه لتحقيق ذلك ، وتوجيه جهود المتعلمين نحو المعرفة والحفظ وتخزين المعلومات ، في حين أن المعلّم الذي يدرك تمام الإدراك بأن اللغة وحدة واحدة وكل متكامل ، فإنه سوف يُعنى بإعداد دروس لغوية يساعد من خلالها المتعلمين على تعلّم اللغة وتعلّم ثقافتها واكتساب مهاراتها ، وسوف يوجه مناشط التعليم لخدمة هذه الفكرة ( سلام ، 1993م : 99 ) .
وجدير بالذكر أن وضع مدخل لتعليم اللغة عملية منظمة تتمخّض عنها المبادئ والأسس الرئيسة لخطة تعليم اللغة ، ففي المُدْخل تحدد المواقف اللغوية الاجتماعية وما يدخل فيها من أمور يجب مراعاتها في تعليم اللغة ، مثل الثقافة والتقاليد الاجتماعية التي تنعكس في اللغة . كما أن خصائص اللغة تفرض نفسها على تعليم اللغة من خلال المبادئ التي يتضمنها المُدْخل عادة ، فاللغة العربية – على سبيل المثال – لغة اشتقاق ، ولهذا ينص المُدْخل على تعليم الاشتقاق ؛ لما له من أثر في التنمية اللغوية لدى المتعلمين . أما نظريات علم النفس اللغوي فتتمخض عنها استراتيجيات التعلّم ونماذج الأداء ، حيث إنها تلقي الضوء على كيفية اكتساب اللغة ، وأساليب التعلّم اللغوي ، وأبرز الطرق التي من خلالها يمكن للمتعلّم أن يتعلّم ، كالنشاط ، والمحادثة ، والحوار ، والتدريب ( بادي ، 1406هـ : 87 ) .
مفهوم التكامل :
التكامل هو تحقيق الكلية والكمال والوحدة ، عملية تحدث في المتعلّم ، تعني أن ما يتعلّمه يصبح جزءاً من شخصيته ، يمتزج بما لديه من فهم وقدرات واتجاهات ، ليكون ما تعلّمه مفيداً وذا معنى عنده ، يُترجمُ في سلوكه مباشرة ، ويتفاعل مع خبرات أخرى سابقة لديه ( مراد ، 2002م : 15 ) .
وفي مجال تعليم اللغة فإن التكامل أسلوب لتنظيم عناصر الخبرة اللغوية المقدّمة للمتعلّمين ، وتعليمها بما يحقق ترابطها وتوحدها بصورة تمكنهم من إدراك العلاقات بينها ، وتوظيفها في أدائهم اللغوي ، وذلك من خلال محتوى لغوي متكامل البناء ، ترتبط فيه توجيهات الممارسة والتدريبات اللغوية ، والقواعد اللغوية بمهارات اللغة ، ونوع الأداء المطلوب ؛ من خلال نص لغوي متكامل ، يعالج بطريقة تعتمد إجراءاتها على التكامل والتدريب والممارسة اللغوية ، وتقويم أداء المتعلّم بصورة تكاملية ؛ وذلك بما يحقق التكامل بين جوانب الخبرة اللغوية : معرفياً ووجدانياً ومهاريا ( عوض ، 2000م : 21 ) .
إن التكامل في تعليم اللغة يعني – باختصار شديد – تنظيم المادة التعليمية اللغوية ، وتدريجها ، وتقديمها متكاملة في هيئة مهارات لغوية وظيفية متجاوزاً تقسيمها فروعاً متفرقة ومعلومات مجزأة ، وخبرات لغوية مفتتة . وهو بتعبير آخر النظر إلى اللغة ، عند بناء مناهج تعليمها ، وإعداد كتبها ، وتحديث طرق تدريسها ، على أنها وحدة مترابطة متماسكة ، وليست فروعاً معرفية مختلفة .
ويستند التكامل في بناء المحتوى التعليمي اللغوي على أحدث معطيات علم النفس التربوي ؛ فالتعلّم في نظره قائم في أساسه على نشاط المتعلّم نفسه ودافعيته للتعلّم ، فهو لا يتعلّم إلاّ ما يمثل حاجة لديه ، ويشعر بفائدته وجدواه ، فضلاً عن أن أسلوب التكامل يعترف بالفروق الفردية بين المتعلمين فيقدّم لهم مناشط تعليمية منوّعة ، وأوجه تعلّم مختلفة ، تمكنهم من التعلّم الهادف في حدود إمكاناتهم وخبراتهم واستعداداتهم ، ولذا فإنه يهتم كثيراً بتكاملية أشكال المعرفة والخبرات والمهارات وتحقيق الحاجات التعليمية ، وتكاملية المناشط والوسائل التعليمية ، كما يعمد لتحقيق أهدافه إلى تفعيل طرق تدريس تكاملية تفاعلية قائمة على التفاعل المستمر بين المعلّم والمتعلّم ، واعتبار المتعلّم ركناً رئيسا في العملية التعليمية ، يحتاج إلى تكاملية مستمرة في عمليات تقويم أدائه ، وتقويم ما له علاقة بتعلّمه ( مبارك ، 1988م : 3 ؛ مراد ، 2002م : 16 ) .
فكرة التكامل في تعليم اللغة العربية :
فكرة التكامل في تعليم اللغة العربية فكرة قديمة جداً ضاربة في أعماق ثقافتنا العربية الإسلامية ، فقد أدرك علماء العربية قديماً هذه الفكرة حين اتخذوا من النص الأدبي محوراً تتجمّع حوله معالجات لغوية عديدة ؛ من تفسير مفردات النص وشرح عباراته ، وكشف مشتملاته من الصور البلاغية والمسائل النحوية ، إلى ما هنالك من إشارات تاريخية ومواقع جغرافية ، ومافي النص من مؤشرات عن الحياة الاجتماعية والثقافية لعصر الشاعر أوالأديب ، وما لصاحب النص من مميزات أسلوبية ، ومدى تأثره بغيره وتأثيره في سواه ، والوقوف على الظروف التي قيل فيها النص ومناسبته ، ومواضع تقاطع النص مع نصوص أخرى مشابهة ، والولوج إلى موسيقى النص ، وإجراء العديد من القراءات ( سمك ، 1979م : 73 ) .
وقد سلك هذا المنهج في استنطاق النصوص ، ومعالجتها في صورة متكاملة ، الجاحظ في البيان والتبيين ، والمبرد في الكامل ، وأبو علي القالي في الأمالي وغيرهم ، كما وأن علماء العربية في العصر العباسي - على سبيل المثال - كانوا يدرّسون اللغة العربية أدباً وبلاغة ونحواً وأسلوباً وقراءة وفهماً وتحليلاً ونقداً من خلال النصوص القرآنية والنصوص الأدبية شعراً ونثراً ، ومن خلال الخطب والرسائل ( مراد ، 2002م : 22 ) .
أما في العصر الحاضر فقد برز الاهتمام بفكرة التكامل في تعليم اللغة العربية منهجاً وطريقة بعد أن اقتنع التربويون بعدم جدوى تعليم اللغة وفق المدخل الموضوعي ( التفريعي ) الذي يقوم على أساس تفتيت الخبرة اللغوية المقدّمة للمتعلمين ، واعتبار أن اللغة مواد متميزة بعضها عن بعض : من نحوٍ يصون اللسان من اللحن ، ويحفظ القلم من الزلل ، وصرفٍ يبحث في بنية الكلمة ، وبلاغةٍ تحدد ملامح الجمال في الأسلوب ، وإملاءٍ يرشد إلى كيفية رسم الكلمة رسماً صحيحاً ، وتعبيرٍ ، وقراءةٍ ، ونصوصٍ ومحفوظاتٍ ... وأن كل مادة منها تؤدي غرضاً وتحقق أهدافاً لا يمكن أن تحقق إلاّ بدراسة كل مادة دراسة مستقلة عن غيرها من مواد اللغة العربية الأخرى .
لقد كان سائداً – وما زال – الاعتقاد في مجال تعليم اللغة بأن المتعلّم يتعلّم اللغة بصورة أفضل إن لم يخلط المعلمون في تعليمهم اللغة بين مواد اللغة المختلفة ، ومن ثمّ ترسّخ اعتقاد خاطئ بأن الأداء اللغوي لن يكون سليماً إلاّ بدراسة قواعد النحو والصرف ، والأدب والبلاغة ، والقراءة ، والكتابة ، من خلال كتب تركّز على المعرفة اللغوية وحصص مستقلة لكل مادة ، وفي هذا الاعتقاد تفتيت الخبرة اللغوية التي يفترض أن يكتسبها المتعلّم متكاملة ، وإغفال المهارات اللغوية التي ينبغي أن يتمثّلها في تواصله مع الآخرين في مواقف الحياة الاجتماعية .
إن الأخذ بهذا الاعتقاد مهّد الطريق إلى قطع الصلة بين مهارات اللغة ، مع مابينها من اتصال طبيعي ؛ لدرجة أصبح المعلّم والمتعلّم ينظران إلى كل فرعٍ لغويٍ على أنه قائم بذاته ، وليس بالضرورة أن تُربطَ مهارات كل فرع بالآخر ، فالمعلّم يغذي فكر المتعلّم بأن مراعاة الصحة اللغوية لا تكون إلاّ في درس قواعد اللغة ، وسلامة الهجاء لا مجال لها إلاّ في درس الإملاء ، وتكوين الذائقة الأدبية ليس مكانه خارج أسوار تعليم الأدب ، فضلاً عن النظرة النفقية ( الضيقة ) إلى أن المهارات التي تُدْرسُ في فرع من فروع اللغة لا تخدم سوى الفرع نفسه ، ولا تخدم الفروع الأخرى ، حتى وإن تقمَّصت كتب تعليم اللغة العربية – في الآونة الأخيرة – أدوار البطولة في لم شمل الأسرة اللغوية ، غير أن هذا اللّم غالباً ما يكون حبراً على ورق ، لا يأخذ مكانه إلى أرض ؛ لأن معلّم اللغة لم يهيأ لهذه الأدوار ، فهو لا يزال معتقداً بأهمية الناتج المعرفي ، منصرفاً عن الناتج المهاري ، ولعلّ في ممارسات المعلمين التدريسية ، وتقويم أداء تلاميذهم ما يؤكّد ذلك .
إن المُدخَل التفريعي ، مُدْخل التفتيت اللغوي – إن صحّ هذا التعبير – لعيوب كثيرة فيه ، تحول دون تمكّن المتعلّم من اكتساب الممارسات اللغوية السليمة ( السويسي ، وعبيد ، 1996م : 59 ) جعلت بعض الدول العربية تعدل عنه في بناء مناهج تعليم اللغة ، وتنفيذها في مراحل التعليم العام ، من أبرز تلك العيوب ما يلي :
· إن هذا المُدْخل يحول دون تمكّن المتعلّم من اكتساب الممارسة اللغوية السليمة .
· إن فيه تمزيقاً للغة يفسد جوهرها ، ويخرجها عن طبيعتها ، وهذا التمزيق يعدُّ تفتيتاً للخبرة اللغوية التي يكتسبها المتعلّم .
· إن تفتيت الخبرة اللغوية المكتسبة مُترتبٌ عليه عجز المتعلّم عن توظيف اللغة في المواقف الاجتماعية توظيفاً فاعلاً يحقق الهدف المنشود من تعلّمها .
· إن المتعلّم لا يتحرى الضبط الصحيح ، والنطق السليم إلاّ في درس قواعد اللغة ، ولا يتأنق في اختيار عباراته إلاّ في درس الأدب ، ولا يهتمّ برسم الكلمات رسماً صحيحاً إلاّ في درس الإملاء ، ولا يُلْبِسُ الحروف حُلّةً من الجمال إلاّ في درس الخط ، ولا يتمثّل المعنى إلاّ في درس القراءة ، أو درس النصوص الأدبية .
· إن حماس المعلّم يشتدُّ في درس نتيجة ميله إليه ، في حين يفترُ في درس لا يميل إليه ، مما يؤدي إلى عدم تعادل النمو اللغوي وتكافئه لدى المتعلّم في مواقف تعلّم اللغة .
· إن فرص التدريب على التعبير السليم تقلُّ في هذا المُدْخل ، ويضيق مجاله ، مع أن التعبير ثمرة الدراسات اللغوية جميعها ، وقمة التعلّم اللغوي .
وبالنظر إلى طبيعة اللغة فإنها تتكوّن من نظم لغوية عديدة ؛ صوتية ، وصرفية ، ونحوية ، ودلالية ، حين يطلق على الأفكار المركبة نظاماً يكون بينها علاقات عضوية ، بحيث يؤدي كل نظام منها في البناء اللغوي وظيفة تختلف عما يؤديه الآخر ، فللنظام تكامل عضوي ، واكتمال وظيفي يجعله جامعاً ؛ بحيث يصعب أن يستخرج منه شيئ ، أو أن يضاف إليه شيئ ( حسان ، 1979م : 312 ).
إن أبرز ما تتسم به اللغة كونها وحدة متكاملة ، وهذا التكامل يعود إلى كون اللغة مجموعة من النظم المتكاملة فيما بينها ، وعليه فإن توظيف معطيات المدخل التكاملي يساير طبيعة اللغة المتكاملة ، ويقضي على تفتيت اللغة إلى فروع ، ويجمع الفروع المتداخلة في معالجة واحدة ، وبالتالي فهو يوفر الوقت والجهد ، ويفتح المجال للمعلّم لتوحيد المفاهيم اللغوية ، ويعطي المتعلّم فرصة لتعلّم اللغة بصورة متكاملة على نحو ما يمارسها في أدائه ( عوض ، 2000م : 22 ) .
إن تعليم اللغة العربية وتعلّمها لا ينبغي أن يكون مخالفاً لطبيعة اللغة نفسها ، بل ينبغي أن يكون متكيفاً معها ، موصولاً بفكر علماء الأمة الأوائل الذين اشتغلوا بالدرس اللغوي ، وما كانوا في يوم من أيامهم يخرجون اللغة عن طبيعتها ، ولا يعلمونها بعيداً عن سياقها الاجتماعي الوظيفي .
ويؤكّد عبد الحليم ( 2003م : 300 ) على أن تعليم اللغة وتعلّمها يجب أن ينسجم مع طبيعتها ، وحيث إن اللغة ظاهرة اجتماعية فإن تعلّمها يجب أن يرتبط بمواقف اجتماعية واقعية أو افتراضية ، لا أن يتمّ بمعزل عن تلك المواقف ، وحيث ذلك فإن تعليم اللغة لا يكفي فيه مجرد المعرفة بالأشكال اللغوية وقواعدها ، وإنما ينبغي أن تُستثار فيه العمليات العقلية العليا ؛ لأن الأداء اللغوي بناءٌ ، ونسجٌ ، وصياغةُ معانٍ وأفكارٍ تختلجُ في نفس منتج اللغة ومتلقيها ، وبالتالي فإن تعليم اللغة يكون فاعلاً عندما يكون وسيلة لتنمية الإدراك والفكر والتأمل والتبصّر والمقارنة والتّذوق ، وتحقيقاً لوظائف الفرد والمجتمع .
الأسس النظرية للمدخل التكاملي في تعليم اللغة :
يستمد المدخل التكاملي في تعليم اللغة أسسه من كون الإنسان يُنتجُ لغةً متكاملة ، وهو يمثلُ اتجاهاً حديثاً في تعليم اللغة العربية وتعلّمها ، لأنه يساير طبيعة اللغة ، ويقضي على تفتيت اللغة وتجزئتها إلى فروع ، ويستند إلى أسس لغوية ، ونفسية لغوية ، ولغوية اجتماعية تؤكّد على أن اللغة مهارات أربع : الاستماع ، والتحدُّث ، والقراءة ، والكتابة ، وأن هذه المهارات هي محور ومرتكز تعليم اللغة ، دون فصلها عن بعضها بعضا ، بل تتم معالجة الدرس اللغوي على أساس أنها وحدة واحدة ، تسعى لتحقيق غاية واحدة ، هي التواصل اللغوي السليم في المحيط الاجتماعي .
إن المُدْخل التكاملي في تعليم اللغة يحمل بين طيّاته اتجاهاً عقلانياً لتعليم اللغة ، فهو يستند إلى أسس من أبرزها ما أشار إليه : ( يونس ، والناقة ، 1977م : 35 ؛ السويسي ، وعبيد ، 1996م : 60 ؛ مراد ، 2000م : 23 – 24 ؛ المومني ، 2001م : 274 – 277 ) .
· إنّ فروع اللغة ما هي إلاّ اللغة نفسها ، وحين يعلّم الفرع اللغوي متصلاً باللغة ككل تتضح وظائفه بشكل متكامل ، فالقاعدة النحوية ، أو الصرفية ، حين تُدرّس في موقف مستقل ، لا تحقق وظيفتها في النمو اللغوي ، في حين أنها لو دُرّست في موقف لغوي متكامل يستدعي دراستها ؛ لأدت إلى سرعة التعلّم ، ولأدرك المتعلّم نفسه وظيفتها في السياق اللغوي .
· إنّ في الارتكاز عند تعليم اللغة على المدخل التكاملي تجديداً لنشاط المتعلّم ، وبعثاً لشوقه ، ودفعاً للسآمة والملل عنه ؛ لتنويع العمل ، وتلوينه ، وعدم اقتصاره على فرع واحد من فروع اللغة ، وشعور المتعلّم بأهمية الخبرة اللغوية المتكاملة التي يكتسبها في سياق طبيعي .
· إنّ في تعليم اللغة وفق المدخل التكاملي ضماناً لمعالجات لغوية متكررة ؛ بتكرار الرجوع إلى المهارة اللغوية ، ودراستها من مختلف جوانبها ، وفي التكرار تثبيت للمهارة نفسها ، وتعميق للمعالجة اللغوية .
· إنّ في تعليم اللغة وفق هذا المدخل ضماناً للربط الوثيق بين ألوان الدراسات اللغوية ، مما ينعكس أثره على أداء المتعلّم ، وثقافته ، وتشكيل وعيه ، فضلاً عن أن المتعلّم يتعايش مع النص وقتاً أطول مما يمكّن من الاتصال بمعانيه ، والاندماج به ، ومن ثمّ ذوبانه فيه ، واستدخاله القيم والسلوكيات والاتجاهات الفكرية التي تشع فيه .
· إنّ في تعليم اللغة وفق هذا المدخل ضماناً للنمو اللغوي عند المتعلّم نموّاً متعادلاً ، لا تطغى فيه مهارة على أخرى ؛ لأن مهارات اللغة جميعها تعالج في ظروف واحدة ، لا يتفاوت فيها حماس المعلّم في الموقف التعليمي .
· إنّ في تعليم اللغة وفق المدخل التكاملي مسايرة للاستعمال اللغوي ؛ لأن المتعلّم حينما يستخدم اللغة في التعبير الشفهي أو الكتابي إنما يستخدمها وحدة مترابطة ، بمعنى أنه لا يستشير المعجم ليمدّه بالمفردات الملائمة لمقتضى الحال ، ولا يحتكم إلى قاعدة نحوية ليفهم كيف يؤلف جملة ، ويضبط كلمة ، وإنما يتم ذلك كله بصورة سريعة متكاملة مترابطة .
· إن تعليم اللغة يكون أسهل على المتعلّم وأيسر عندما تكون اللغة وظيفية تكاملية ، وعندما لا تكون مجزأة ، فأصغر وحدة وظيفية ذات معنى هي نصٌّ متكامل ضمن سياق لغوي اجتماعي يتلاءم مع خبرات المتعلّم .
· إذا كان تعلّم اللغة يتم بطريقة أفضل عندما يتعرّض لها المتعلّم بشكلها الكلي ، وفي سياق طبيعي ؛ فإن التكامل (Integration ) هو أساس ومفتاح تعلّم اللغة .
· إنّ تعليم اللغة العربية في عصر العولمة والتفجّر المعرفي يستوجب تعليمها لتحقيق وظائفها الفكرية والاجتماعية ، على اعتبار العلاقة الوثيقة بين اللغة والتفكير ، وبين اللغة والمجتمع ، ومن هنا يكون تعليم اللغة تعليم للتفكير ، ومجال خصب لتدريب التلاميذ على مهارات الاستنتاج والتحليل والمقارنة والتمييز ، وإصدار الأحكام .
· إنّ تعليم اللغة يكون أكثر فاعلية إذا قام على أساس تناول مهارات اللغة على أنها وحدة متكاملة ، تؤدي دوراً وظيفياً في الحياة الفكرية والاجتماعية بدلاً من التركيز على الجانب النظري والمعرفي في معالجة اللغة .
ولكي تتحق الغايات النبيلة من تعليم اللغة العربية في مراحل التعليم العام ؛ فإن الآمال معقودة على المخططين اللغويين ، والقائمين على شؤون تعليمها في البلاد العربية والإسلامية ، تأصيل تعليمها ، وتوظيف معطيات علم اللغة ، وعلم النفس اللغوي ، وعلم اللغة الاجتماعي عند بناء مناهج تعليم اللغة وتنفيذها وتقويمها وتطويرها .
إن تعليم اللغة العربية بحاجة ملحة إلى نظرية تعليمية لغوية ، مستمدة من فهم عميق لطبيعة اللغة نفسها ، وطبيعة تعلّمها وتعليمها ، ووظيفتها في المجتمع ، ودورها في التنمية الشاملة للمتعلمين : معرفياً ، ووجدانياً ، ومهارياً ، ونفسياً ، وفكرياً ، واجتماعياً ؛ بحيث تظهر نتائج تعليمها واضحة على الأداء اللغوي للمتعلمين ، الذي يبدو أنه يعاني من تصدعات مخيفة في البناء اللغوي ؛ تبرز جليّاً في تفكك التراكيب ، واضطرابها ، وانحرافها صرفياً ونحويا .
التطبيقات التربوية للمدخل التكاملي في تعليم اللغة العربية* :
يقتضي الأخذ بأفكار المُدْخل التكاملي منطلقاً في تعليم اللغة العربية مراعاة ما يلي :
· التحوّل من فكرة تعليم اللغة العربية على أنها فروع لغوية مستقلة لا طائل من ورائها سوى تفتيت الخبرة اللغوية ، إلى فكرة تكامل تعليم اللغة وتعليمها متكاملة وفقاً لطبيعتها المتكاملة ، ووفقاً لطبيعة تعلّمها وتعليمها .
· اتخاذ النص القرآني محوراً رئيساً في تعليم اللغة ؛ لأثره في زيادة الثروة اللغوية ، دون إغفال لنصوص من الحديث النبوي الشريف ، ومن تراث العرب قديمه وحديثه ، منظومه ومنثوره .
· اتخاذ النص اللغوي منطلقاً لتعليم اللغة في ضوء مهاراتها ، مما يحفظ للغة وحدتها وتكاملها ، والسير في ذلك على هدي المسلمين الأوائل في اختيار النص اللغوي الذي يكسب المتعلمين ثروة لغوية ، مع تنمية ذوق وتهذيب سلوك .
· تدريب التلاميذ من خلال دراسة النص على مهارات لغوية متكاملة ، تشمل الجوانب المعجمية ، والنحوية ، والبلاغية ، والنقدية ، والتعبيرية ، علاوة على المهارات القرائية ، ومهارات الكتابة ، ومهارات الاستماع والتحدّث ، وتنميتها لديهم .
· تكثيف الجهود داخل حجرة الصف الدراسي حول تحفز المتعلّم ليعبّر عن أفكاره باللغة ، فيناقش موضوعات قرائية تعايش معها عدة مرات ، أويحلل نصوصاً أدبية تحمل فكر الأمة وثقافتها وخبراتها ، أو يلخّص كتاباً ، أو يكتب تقريراً عن عمل قام به ، أو يعرض خبرة اكتسبها من النص .
· إعداد معلّم اللغة العربية إعداداً متكاملاً ، قبل الخدمة وأثناءها ؛ ليكون ذا قدرة أكاديمية تمكّنه من معالجة اللغة وحدة واحدة ، ومؤهلاً تربوياً على مستوى النظرية والتطبيق الميداني ، ومقتنعاً بجدوى التكامل اللغوي في تعليم اللغة تخطيطاً وتنفيذاً وتقويما .
· تدريب المشرف التربوي على تعليم اللغة العربية بشكل دوري ؛ ليكون على اطلاع بآخر المستجدات التربوية في تعليم اللغات وأحدث الاتجاهات في تعلّم اللغة وتعليمها ، ويتمكّن من نقل خبرته الجديدة إلى الميدان ؛ لإثراء المعلمين ، والرفع من أدائهم التدريسي .
· إلغاء فكرة الكتب التعليمية اللغوية المتعددة ، والاقتصار على كتاب واحد لكل صف دراسي ، تتنوّع فيه النصوص المقدّمة إلى المتعلمين ؛ بحيث تشمل نصوص انطلاق ، ونصوص دعمٍ وتعزيزٍ ، ونصوصاً إثرائيةً ، تُعالج من منظورات عديدة : استماعاً ، وقراءة ، وفهماً واستيعاباً ، واستنتاجاً وتحليلاً ، وتذوقاً ونقداً ، وتطبيقاً نحويّاً وإملائياً ، وتدريباً على التعبير الشفهي والكتابي ، فضلاً عما يدفع المتعلّم إلى اكتساب مهارات التعلّم الذاتي ، بتوجيهه إلى المعجمات والموسوعات ومصادر المعرفة الورقية والإلكترونية ، والاعتماد على نفسه في إثراء معارفه ، وتنمية مهاراته البحثية ، وتعليمه كيف يعلّم نفسه بنفسه .
· إلغاء فكرة الحصص المستقلة المخصصة لتعليم كل فرع من فروع اللغة ، وتوظيف الحصص المستمرة المتصلة المخصصة لتعليم اللغة ؛ لضمان معالجة النصوص معالجة متكاملة ، لا تنتهي بانتهاء الزمن المخصص للدرس ، بل تستمر المعالجة حتى يتمكّن المتعلّم من المهارات المستهدفة ، وفي هذا إدخال المتعلّم معترك العمل التعليمي في الوقت المخصص لتعليم اللغة مشاركاً في التخطيط ، والتنفيذ ، والتقويم ، وإثراء بيئة التعلّم بما من شأنه أن يرقى بالأداء اللغوي لديه ، ويفعّل دور اللغة في حياته .
· اعتماد طرق التدريس النشطة في مختلف المناشط اللغوية ؛ لتوجيه المتعلّم نحو أن يتعلّم كيف يتعلّم ، واعتباره محور العملية التعليمية ، وتبني طرق تدريس قائمة على حل المشكلات ، والتعلّم التعاوني ، والتعلّم البنائي ، والتعلّم النشط ، وتعليم التفكير وإكساب المتعلمين مهاراته ، والعصف الذهني ... كل ذلك لتحفيزه على تعلّم اللغة وتنميته فكرياً ووجدانيا ومهاريا .
· إدخال مبدأ التعلّم الذاتي في ميدان تعليم اللغة العربية ؛ لكونه أصبح من المسلمات في إطار التربية الحديثة عامة ، وتعليم اللغات خاصة ، وذلك استجابة طبيعية لطبيعة العصر الذي نعيشة ، عصر التفجّر المعرفي والانتشار الثقافي ، وما يقتضيانه من ضرورة ملاحقتهما ومواكبتهما من جهة ، ونظراً إلى أهمية الجهد الذاتي وما يقتضيه من تنقيب عن المعرفة ، وتدريب على استخدام مختلف مصادر التعلّم ؛ لكسب المعلومات والمهارات الضرورية لاستمرار التعلّم .
· توفير مصادر المعرفة التقنية ، وتدريب المتعلمين عليها ؛ لما لها من إثارة لاهتمامهم ، وجذباً لهم للإقبال على الدرس اللغوي ، وتدريب المعلمين على كيفية توظيفها في تعليم اللغة العربية .
· الانطلاق من الواقع اللغوي للمتعلمين ؛ بتحديد المهارات اللازمة لهم في كل مرحلة تعليمية ، بل وفي كل صف دراسي ، وجعلها محوراً للتدريب في مواقف تعليم اللغة العربية وفق المدخل التكاملي .
· توجيه تعليم اللغة العربية في المراحل الثلاث نحو سدّ حاجات المتعلمين اللغوية ؛ بتقديم المحتوى اللغوي الذي يلبي تلك الحاجات ، ويأخذ في الاعتبار بالمتغيرات الثقافية ، والحضارية ، وما يتطلّع إليه المجتمع من مشاركة أبنائه – حاضراً ومستقبلاً – في حل مشكلاته ، والارتقاء به إلى مصاف المجتمعات المتقدّمة .
· من المؤكّد أن المهارة اللغوية تتحقق بالاستخدام اللغوي الصحيح ، والأداء اللغوي الجيّد إرسالاً واستقبالاً ، ممارسة وتطبيقاً ، وأن هذا الأداء يمكن ملاحظته وقياسه من خلال ممارسة المتعلّم اللغة : استماعاً ، وتحدّثاً ، وقراءةً ، وكتابةً . ولذا فإن التركيز في تعليم اللغة العربية وفق المُدْخل التكاملي على الجانب المهاري ، ودعمه ، وتوجيه فعاليات التعليم نحوه ؛ يقود إلى مخرجات تعليمية قادرة على توظيف مهارات اللغة بشكل صحيح ، يحقق وظائفها في المجتمع .
· إنّ منهج تعليم اللغة يكون أكثر فاعلية إذا تناول مهارات اللغة على أنها وسائل لتحقيق غايات أرحب وأهم ، وعلى رأس قائمتها يأتي الاتصال ، ومن ثمّ فإن التركيز على هذه المهارات ، والنظر إليها نظرة متوازنة في برنامج تعليم اللغة يساعد على تنمية لغة المتعلّمين نموّاً متوازنا .
· يمكن لتعليم اللغة العربية أن يحقق أهدافه بشكل جيّد إذا اتجه التخطيط اللغوي نحو الأخذ بالاتجاه التكاملي في تعليم اللغة ، والتوجّه نحو تمهير تعليمها ، والنظر إلى اللغة على أنها مهارات أكثر منها محتوى ، فالتشابه بين التكامل والتمهير كبير جداً ، لا يمكن تجاهله ؛ حيث إن إحدى صور التكامل تتحقق في التكامل بين مهارات اللغة ، على مستوى النظرية والتطبيق ، الأمر الذي يعني أنه لايمكن أن يستقيم حال تعليم اللغة العربية بعيداً عن إدارته في ضوئهما .
· البرنامج التعليمي الذي يأخذ بالاتجاه التكاملي المهاري في تعليم اللغة يعمد إلى وضع المهارات اللغوية النوعية ، لكل مهارة لغوية من مهاراتها الأربع الرئيسة ، في مسلسلات هرمية متدرّجة ؛ لينطلق منها نحو تحديد أهداف تعليم اللغة في كل مرحلة تعليمية ، بل وفي كل صف دراسي ، وتضمينها المحتوى التعليمي اللغوي المقدّم للتلاميذ ، وتصميم التدريبات والمناشط اللغوية في ضوئها ؛ لأن تحديد المهارات اللغوية النوعية يساعد على وضوح الرؤية عند تأليف كتب تعليم اللغة ، كما يبصِّر المعلمين بالمهارات المستهدفة بالتدريب في كل مرحلة تعليمية ، وفي كل صف من صفوفها .
· تحديد المهارات المستهدفة تحديداً دقيقاً واضحاً ؛ للكشف عن الأهداف التعليمية التي تحققت ، وتلك التي لم تتحقق ، مما يساعد على توجيه تعليم اللغة نحو سدِّ الثغرات التي يكشف عنها تقويم البرنامج ، ليعاد النظر فيه بتطويره ، وتلافي جوانب القصور فيه ، ودعم جوانب القوة .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين .
مراجع ورقة العمل
(1) بادي ، غسان خالد ( 1406هـ ) . " تحديد معنى طريقة التدريس في إطار علمي متجدد " بحوث تربوية ونفسية ، مكة المكرمة : جامعة أم القرى ، معهد اللغة العربية ، وحدة البحوث والمناهج ، ص ص 83 – 97 .
(2) حسان ، تمّام ( 1979م ) . اللغة العربية معناها ومبناها ، القاهرة : الهيئة المصرية العامة للكتاب .
(3) سلام ، على عبد العظيم ( 1993م ) . أثر تكامل منهج اللغة العربية على الأداء اللغوي لتلاميذ الصف الأول الإعدادي ، رسالة دكتوراه ( غير منشورة ) ، الإسكندرية : جامعة الإسكندرية ، كلية التربية .
(4) سمك ، محمد صالح ( 1979م ) . فن التدريس للتربية اللغوية ، وانطباعاتها المسلكية وأنماطها ، القاهرة : مكتبة الأنجلو المصرية .
(5) السويسي ، رضا ، وعبيد ، عبد اللطيف ( 1996م ) . طرائق وأساليب تدريس اللغة العربية في المرحلة الثانوية بالوطن العربي وسبل الارتقاء بها ، تونس : المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، إدارة التربية .
(6) عبد الحليم ، أحمد المهدي ( 2003م ) . أشتات مجتمعات في التربية والتنمية ، القاهرة : دار الفكر العربي .
(7) عثمان ، سيد أحمد ( 1986م ) . " التخطيط اللغوي وتعليم اللغة العربية " دراسات تربوية ، المجلد الأول ، الجزء الرابع ، القاهرة : عالم الكتب ، ص ص 19 – 24 .
(8) عوض ، أحمد عبده ( 2000م ) . مداخل تعليم اللغة العربية – دراسة مسحية نقدية ، مكة المكرمة : جامعة أم القرى ، مركز البحوث التربوية والنفسية .
(9) لويس ، م .م ( 1959م ) . اللغة في المجتمع ، ترجمة : تمّام حسان ، القاهرة : دار إحياء الكتب العربية .
(10) مبارك ، فتحي يوسف ( 1988م ) . الأسلوب التكاملي في بناء المنهج – النظرية والتطبيق ، القاهرة : دار المعارف .
(11) مراد ، سعيد محمد ( 2002م ) . التكاملية في تعليم اللغة العربية ، الأردن – إربد : دار الأمل للنشر والتوزيع .
(12) المومني ، إبراهيم عبد الله ( 2001م ) . " منحى اللغة الكلي : الفلسفة والمبادئ والتضمينات التربوية " مجلة دراسات – العلوم التربوية ، المجلد 28 ، العدد الثاني ، ص ص 272- 285 .
(13) الناقة ، محمود كامل ( 1985م ) . تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى ، مكة المكرمة : جامعة أم القرى ، معهد اللغة العربية ، وحدة البحوث والمناهج .
(14) يونس ، فتحي علي ، والناقة ، محمود كامل ( 1977م ) . أساسيات تعليم اللغة العربية ، القاهرة : دار الثقافة .
تحليل محتوى المنهج
أولا : مفهوم تحليل محتوى المنهج الدَّراسيّ لغرض التدريس:
أ)مفهوم تحليل المحتوى:
تحليـل المحتوى لغـة: هو التجزئـة ، وحلَّل العقدة، فكَّها، وحلَّل الشيء:أرجعه إلى عناصره ، وحلَّل نفسية فلان:درسها ؛ للكشف عن خباياها ، وتحليل الجملة: بيان أجزائها ، ووظيفتها.
وفي الاصطلاح : لتحليل محتوى المنهج والمحتوى عدة تعريفات ، أبرزها ما يلي .
هو وصفٌ كمي، وكيفيٌّ للمحتوى المُراد تدريسه ، في صُورة فئاتٍ ووحداتٍ مُنَظَّمة ، يحتوي كُلٌّ منها على مفردات تشترك في صفات أساسية تميِّزها عن غيرها.
وهو أحد أساليب البحث العلمي ، والتي تهدف إلى الوصف الموضوعي ، والمنهجي المنظم والكمي للمضمون الظاهر لمادة الاتصال.
هو تحليل بنية المنهج ، و تجزئته ، وتقسيم ما يتضمنه من معارف ، واتجاهات ، وقيم ومهارات إلى عناصره المكونة ، التي تشمل تحديد الأجزاء المكونة للمحتوى.
هو مجموعة من العمليات الإجرائية ، التي تساعد المعلم على فهم الجوانب المختلفة للمحتوى ، التي تستهدف تحليل أهداف المنهج، وطرائق تدريسه وأنشطته ، ووسائله التعليمية ، وأساليب تقويمه .
أما المحتوى: فهو مجموعة من المعارف ، والمهارات ، والقيم ، والاتجاهات التي يمكنها أن تحقق الأغراض التربوية .
المحتوى : هو نوعية المعارف التي تختار وتنظم على نحو معين ، وكلمة المعارف هنا تعني : كل ما يمكن تقديمه للمتعلمين من الحـقائـق ، والمفاهيم ، والقواعد ، والمبادئ، والتعميمات ، و ما يرجى إكسابه للمتعلمين من قيم ، واتجاهات ، وميول ، ومهارات.
ب) أنواع تحليل المحتوى:-
1) تحليل المحتوى البرجماتي : ويقصد به الإجراءات التي يتم بموجبها تصنيف ظواهر المحتوى طبقاً لأسبابها ، أو نتائجها المحتملة ، ومثال ذلك :عدد المرات التي تكرر فيها مفهوم ما ، مثل :الصدق ، أو الأمانة ...الخ ، ويترتب عليها اثر في تكوين اتجاه ايجابي ، أو سلبي نحو المفهوم .
2) تحليل المحتوى الدلالي : والمقصود به الإجراءات التي يتم بموجبها تصنيف ظواهر المحتوى ، طبقاً للمعاني الدالة عليها ، وبصرف النظر عن الألفاظ المفردة التي استخدمت في عملية الاستدلال .
مثال ذلك :عدد الكلمات أو الجمل التي تشير في معانيها إلى مفهوم ما ، حتى وان لم يستخدم ذلك المفهوم .
3) تحليل المحتوى البنائي : ويعني الإجراءات الــتي يتم بموجبها تصنـــيف المحتـــوى ؛ طبقــــاً للخصائـــص(السيكوفيزيقية) لأقسام المحتوى. مثل :الحقائق، والمفاهيم ، والتعميمات، والمبادئ التي تكون المحتوى، أو خصائص الأسلوب الذي يميز المحتوى:كنوع المفردات والجمل والفقرات المستخدمة في الموضوعات الدراسية ، وهذا النوع من التحليل يفضله ، ويعمل به المعلمون عند تحليل المحتوى للدروس .
جـ) أهداف تحليل محتوى المنهج بصورة عامة :
1) يحلل محتوى المنهج[الكتاب المدرسي –أهداف الكتاب – دليل المعلم – مراجع الكتاب المدرسي ] ؛ لإغراض التخطيط للتدريس: إعداد الخطط التّعليميّة ، والفصليّة واليوميّة، و تصنيف عناصر المحتوى؛ لتسهيل عمليّة تنفيذ الحصَّة التدريسية .
2) يحلل المعلم المحتوى ؛ للكشف عن أهدافها التعليمية التعلّمية ، وخصائصها ، وبنيتها التنظيمية ، ويشتق منها أهدافه السلوكية .
3) يحلل المعلم المحتوى ؛ لغرض اختيار استراتيجيّات التّعلُّم المناسبة ، و الوسائل التّعليميّة، والتّقنيات المناسبة .
4) يحلل المعلم المحتوى ؛ لإغراض بناء اختبارات تحصيليّة تتميّز بالشّموليّة والدقة .
5) يحلل المحتوى ؛ لتقويم المنهج ، ولمعرفة نواحي القوة والضعف في مضمون أهداف المنهج .
6) كما يحلل محتوى المنهج ؛ لإغراض التأليف والنشر ، وغير ذلك ، ويبقى الهدف الأول هو السائد في واقعنا التعليمي.
د): فوائد تحليل محتوى المادة التعليمية :تحليل المحتوى يعود على المعلم والمتعلم بالعديد من الفوائد، أهمها ما يلي :
إتقان المعلم للمادة العلمية .
الوقوف على مكونات الدروس والربط بينها.
تحديد المستوى الذي يجب أن يصل إليه التلميذ / الطالب من خلال صياغة الأهداف السلوكية المناسبة.
علي ضوء التحليل ، يتم اختيار طريقة التدريس المناسبة.
تنظيم معلومات الدرس وترتيبها في ذهن الطالب.
أهميته في اختيار الوسائل والأنشطة المناسبة.
حافز للمعلم لإثراء معلومات الدرس إذا كانت معلومات الدرس فقيرة.
نتيجة للتحليل، يتم بناء امتحانات تحصيلية شاملة.
ه)خصائص تحليل المحتوى : لتحليل المحتوى مجموعة من الخصائص ، أهمها ما يلي:
1) أنّه يهتمّ بدراسة مضمون المادة وشكلها.
2) أنّه أسلوب موضوعيّ : أي أنه لا يتأثّر بالعوامل الذّاتية للقائم بعملية التحليل .
3) أنّه أسلوب منظّم يتمّ في خطّة عمليّة تتّضح فيه فقرات التَّحليل ، ووحداته ، وخطواته، ونتائجه.
4) أنّه أسلوب علميّ ، حيث يضع قوانين؛ لتفسير المحتويات، ويكشف عن العلاقات فيما بينها.
5) أنّه أسلوب للوصف، ويعني القيام بتحديد سمات الظّاهرة كما هي عليها، وتصنيف المادة التي يُحَلِّلها إلى فئات، مستخرجًاً ما تتضمّنه كلّ فئة من سمات عامّة، ثمّ يفسرها المحلل تفسيرًا موضوعيًا.
6) أنّه يتعلّق بظاهر النّص ، فيهتمّ تحليل بنية المحتوى ، ودراسة المضمون الظّاهر للمادة، وتحليل المعاني الواضحة التي تنقلها الألفاظ ، أو الرّموز المستخدمة دونما تأويل ، أو تعسُّف في استخراج الدّلالات بالاجتهاد ، والتّأويل الفرديّ.
و ) علاقة المحتوى بمكونات منهج التدريس:
1) علاقة المحتوى بالأهداف : يعتبر المحتوى بمثابة المادة الخام الأولية التي من خلالها نستطيع أن نحقق الأهداف ، فالمحتوى له أثر كبير على الأهداف ؛ لذلك يجب أن يكون من الشمول والكفاية ، بما يخدم تحقيقها ، فإذا كانت الأهداف غنية ، والمحتوى فقير ، يصعب على معلم محدود الخبرة أن يحقق أهدافاً عليا ؛ لذلك لا بد من توظيف المحتوى لخدمة الأهداف.
2)علاقة المحتوى بطرائق التدريس:تعتبر طرائق التدريس ذات أهمية بالنسبة للمحتوى ؛ لأن من خلالها يتم نقل وإيصال المحتوى وبعدها يصبح المحتوى جامداً أمام التلميذ، كما أنه من خلال معرفة المحتوى ، نستطيع أن نحدد الطريقة المناسبة ؛لإيصال كل معلومة .
3)علاقة المحتوى بالأنشطة والوسائل: الأنشطة والوسائل تؤدي دوراً كبيراً ورئيساً في وصول المادة العلمية للطلاب ، وفهمها ، واستيعابها وتطبيقها ، وبدون أنشطة ، يصبح المتعلم متلقياً مستمعاً فقط ، وبدون الوسائل التعليمية ، يصعب وصول المادة العلمية إلى الطلاب ، وتحقيق الأهداف ، وتحليل المحتوى ، هو الذي يحدد للمعلم الطرائق، والأنشطة ، والوسائل التي يستخدمها في كل درس.
4) علاقة المحتوى بالتقويم :من خلال المحتوى نستطيع أن نحدد نوعية التقويم المناسب، فالتقويم ليس على مستوى واحد. كذلك المحتوى يتفاوت من معلومة إلى أخرى ، كما أنه ينبغي أن يمتد التقويم من مجرد قياس حفظ للمحتوى ، إلى قياس استيعاب الطلاب للمحتوى ، وقدرات الطلاب على تطبيقه، والاستفادة منه في حل مشكلاتهم الراهنة.
ز ) خطوات تحليل محتوى المنهج لإغراض التخطيط للتدريس :
أولاً :تحديد أهداف التَّحليل:
المعلم يستخدم الكتاب المدرسي ودليل المعلم ؛ لكي يعرف أهداف المنهج وخصائصه ، وبنيته التنظيمية.
إن الهدف من إجراء عملية التحليل ، هو التوصل إلى تحديد كل المهارات الرئيسية ، والفرعية ، والتي يحتاج المتعلمون : التلاميذ/ الطلاب إلى تعلمها ؛ لكي يتحقق الهدف التعليمي الذي حددت له.
ثانياً : تحديد مجمع التحليل ( مجال التَّحليل) الذي ينتمي إليه المواد المراد تحليلها:
كالقراءة ، النحو ،الكتابة ، الإملاء ،القرآن الكريم ،التربية الإسلامية، الرياضيات ،العلوم ،الاجتماعيات......الخ.
ثالثاً : تحديد فئات التَّحليل ::
مفهوم فئــات التحليـــل: فئات التحليل تعني العناصر الرئيسة ، أو الثانوية التي يتم وضع وحدات التحليل فيها ، والتي على أساسها يتم تصنيف المحتوى ، ووضع كل وحدة من وحدات التحليل ، في الفئة المناسبة لها، وهي فئات عامة ، يندرج تحتها فئات فرعية ، وينبغي أن تكون متصلة بموضوع التحليل ، وشاملة لمختلف جوانب المحتوى ، وان تكون تفصيلية بقدر الإمكان.
وتنقسم فئات التحليل عادة إلى نوعين، هما:فئة ماذا قيل ؟ وتتصل بالموضوعات التي يدور حولها المحتوى "أي المضمون"والتي يعبر عنها بـ :المفاهيم والحقائق ، والمبادئ ، والتعميمات، والمهارات ، والقيم ، والمعتقدات ، والاتجاهات .
والنوع الثاني : فئة كيف قيل؟ وتتصل باتجاه محتوى المادة " أي موقف المحتوى من القضايا والمضامين السابقة بقبولها ، أو رفضها .
ولتحديد فئات التحليل فوائد للمعلم ، حيث تفيده في تخطيطه للدروس ، وإعداد الخطط ، وتنظيم عملية تعليم الطلاب ، وتقويم عملية التعليم.
رابعاً:تحديد وحدات التَّحليل:: وحدات التحليل هي الأساس في التقدير الكمي والكيفي لظواهر التحليل ، حيث يستند إليها القائم بالتحليل في عدِّ الظواهر وحساب تكراراتها ، وقد تكون كلمة ، أو جملة ، أو فقرة ، أو موضوعاً، وتتصل بوصف المحتوى كمياً ، ومن أمثلة ذلك في النصوص النثرية : النص، الفقرات ، والعبارات ، و الجمل، و الكلمات ، وما تتضمنه هذه الوحدات من مكونات ، وعناصر تشمل البنية المعرفية من: حقائق ، ومفاهيم ، ومبادئ ، أو قواعد، وتعميمات ، وقوانين ، ونظريات، إضافة إلى المهارات ، والاتجاهات، والقيم.
خامساً :تحديد أداة التحليل : ويقصد بها استمارة التحليل التي تصمم لجمع البيانات، ورصد معدل تكرار الظواهر ، وتشمل هذه الاستمارة مساحة ، تحدد فيها فئات التحليل ، وأخرى لتكرارها ، وحسابها إحصائياً.
سادساً : اختبار ثبات وصدق التحليل : الثبات يعني أن يتصف التحليل بالثبات عند إعادة التحليل مرة أخرى، أو عند اختلاف المحللين ويمكن للمعلم مقارنة تحليله مع تحليل زملائه؛ ليتأكد من ثبات التحليل ، وأما صدق التحليل ، فيكون بمدى ملاءمة أسلوب التحليل وفئاته مع مضمون المحتوى، أو من خلال استمارة خاصة ، وتعرض على موجهين مشرفين ، يعمل بآرائهم .........الخ .
سابعاً: القيام بعملية التحليل للمحتوى المراد تحليله.
ثامناً:وأخيرا استخلاص النتائج - الاستنتاج). Conclusion)
حـ) عناصر وحدات التَّحليل:
إذا كنا بصدد تحليل المحتوى لمادة اللغة العربية ، وأردنا حساب تكرار كلمة تدل على مفهوم، أو جملة تحمل في طياتها حقائق أو مبادئ، أو مهارة أو قيم ، فإننا نتبع الخطوات التالية :
أ) البنيـة المعــرفيــة(الجانب المعرفي):
تحتل المركز الأوّل بين عناصر المحتوى، وتشمل هذه البنية كل من : (الحقائق ، المفاهيم ، المبادئ ، التعميمات ، النظريات ، القوانين ....).
1- الحقائق: تشير إلى ما هو صحيح وقابل للملاحظة والإثبات ، وهي الثّوابت والوقائع الصّحيحة ، وتكون قابلة للتّغيّر والتّعديل من خلال الملاحظات والتّجارب، وفي فروع اللغة العربية ليس بالضرورة أن تأتي الحقائق متشابهة في النحو ، أو الإملاء ، أو الخط ، كما سنبين ذلك لاحقاً.
2-المفاهيم والمصطلحات الأساسيّة:
المفاهيم :هي مجموعة من الحقائق المشتركة في الخصائص ، والصفات .
أو هي مصطلح يحتاج إلى تعريف ، ويتكون المفهوم من: اسم المفهوم وتعريفه: كالفاعل ، والمفعول به.... (في النحو)، وحجم الحرف ، أو شكله....( في الإملاء )، والمفاهيم لا يمكن من دونها فهم أيّ عنصر من عناصر المعرفة ؛ لأنها مفاهيم الّلغة العلميّة ، التي تساعدنا على فهم قوانين العلم ، والبرهنة على أفكارنا.
والمفهوم هو ما يمتلكه الفرد من معنى ، واستيعابه يرتبط بكلمات، أو عبارات ، أو عمليّات معيّنة ، وهذا المعنى الذي تحمله كلّ كلمة عند شخص معيّن يعبّر عن مفهوم .
3- المبـــــدأ:
هو علاقة بين مفهومين ، أو أكثر تربطهما علاقة لفظية : كعلاقة السبب والنتيجة، والنتيجة والسبب ، والكل بالجزء والجزء بالكل.
4-التّعميمات: هي نمط عام يتضمن أحكاماً عامة ، أو سمات مشتركةً للظواهر ، أو الحقائق ، أو المفاهيم، أو المبادئ ، وغالباً ما يأتي بألفاظ العموم: (كل ، جميع، عامة، كافة )، من مثل : كل المفاعيل منصوبة ، أو كل الخطوط المستقيمة متوازية في خط الرقعة كما أنها عبارات ذات طبيعة تجريبيّة ولها صفة الشّمول ، وإمكانيّة التّطبيق على عدد من الأشياء، أو الوحدات، أو الظّواهر التي ترتبط بها هذه التّعميمات ، وبالتَّالي تساعد على إدراكها في شمولها وعموميّاتها .
5-القوانين والقواعد:
هي صياغة كمية لظاهرة ، أو مجموعة من الظّواهر تحدّد التّغيرات التي تطرأ عليها ، تحت ظروف كميّة ، وكيفيّة معيّنة ، ومحدّدة.
ب) المهارات العقليّة ، والعمليّة(الجانب المهاري ):
المهارات كمفهوم : هي القدرة على أداء عمل معين بدقة وإتقان ، مع الاقتصاد في الوقت والجهد.
* والمهارة تشمل كل من المكونات العقلية : كفهم المادة موضوع الأداء ، والمكونات الإدراكية ، كدرجة تركيز الفرد ذهنياً.
إن المهارات قد تكون عمليَّة، أو عقلية ، ولكلّ مادة مهاراتها ، وقدراتها الخاصّة، وبالإضافة إلى المهارات الخاصّة بكلّ مادة فهناك مجموعة من المهارات المشتركة بين المواد: كالقدرة على استخراج النّقاط المهمّة، والقدرة على التّصنيف، والقدرة على التَّحليل والتّلخيص، والنّقد، والفهرسة، ووضع المخطّطات، واستخدام الأطلس، وممارسة مهارات البـــحـــث ، والاستقصـــــاء، والقـدرات العقليّة ، كـ :التَّحليل ، والتّركيب، والنّقد، وفرض الفروض، والبرهنة، وحلّ المشكلات.
ج) الاتّجاهات والقيم والعقيدة (الجانب الوجداني ):
يشمل هذا الجانب:الاتجـــــاهات والقيم والعقيدة ، بما تعبر عنه من أفكار، وتصورات ، ومشاعر ، تتكون ؛ نتيجة مرور المتعلِّم بخبرة.
1- الاتجاهات: هي تصورات ، ومشاعر ، وانفعالات ، وأفكار تتكون ؛ نتيجة لمرور المتعلم بخبرة .
و الاتجاه استعداد عقليّ وتأهُّب نفسيّ، يتكوّن عند الفرد ؛ نتيجةً لخبرة سابقة في موضوع معيّن، كما يقوده إلى سلوك معين.
2- القيم:*هي مجموعة من المبادئ ، والقواعد والمُثل التي يؤمن بها المتعلِّم ، وتُحدّد سلوكه ، وهي معايير– أيضًا – تستخدم للحكم على الأعمال، والمواقف ، و السّلوكات.
وبمعنى آخر فإنّ القيم يُحاكم عليها الدِّينُ ، أو المجتمعُ ، أمَّا الاتِّجاهاتُ ، فإنَّه لا يُحاكِمُ عليها ، كما تتميَّز القيمُ عن الاتِّجاهات-أيضًا- بأنَّها تتّسم بالثَّبات.
و للقيم ثلاثةُ أبعاد : معرفيّة، ووجدانيّة، وسلوكيّة، ومن أمثلتها: الشّجاعة، والتَّعاون، والأمانة، والصِّدق ، والشُّكر ، والزَّكاة والصَّلاة والإيمان ، وتجنُّب المواقف البذيئة، وحبّ الوطن والوحدة اليمنيَّة، وكتابة مقالات تُدافعُ عن قضايا الأمّة، وحسن التّعامل مع الآخر والبُعد عن اللّحن، وحبّ القراءة والكتابة بالفصحى، عدمُ التَّسرع في الأحكام من خلال المقروء ، أو المسموع ، واحترامُ قدسيّة اللغة ، أو الإيمان باللُّغة كمقوِّمٍ من مقومات الأمَّة.
3- العقيـــدة:عبارةٌ عن مجموعةٍ من القيم المترابطةِ والمتكاملةِ الشَّاملةِ لموضوعات الحياة: الاجتماعيَّة، والدينيَّة، والسِّياسيَّة والاقتصاديَّة، وتتناول العبادات ، والمعاملات ، والإيمان، والأخلاق.
وتظهر المستويات السّابقة في الجانب الوجدانيّ من خلال المحتويات المعرفيّة ، التي تتضمَّنها الكتب الدِّراسيَّة.
ط)مهارات المعلم في تحليل المحتوى على مستوى المنهج :تتطلب خطوات تحليل محتوى المنهج من المعلم إتقان المهارات التالية:
يحلل المعلم محتوى المنهج التعليمي، فيحدد الموضوعات الرئيسة ، ثم الموضوعات الفرعية(فئات التحليل) .
كما يقوم بتقسيم الموضوعات الرئيسة على الزمن الذي يقارب أربعة شهور ونصف، فيحدد ، مثلاً: الموضوعات الرئيسية التي سينفذها في الشهر الأول، وكذلك الموضوعات الفرعية ، وهكذا يحدد موضوعات الشهر الثاني...الخ.
يسجل مقابل كل الموضوعات الرئيسية الزمن المقترح لتغطية ذلك الجزء من المنهاج.
يشتق الأهداف التي سيحققها خلال الفصل من كل موضوع رئيس، وتكتب الأهداف بصيغة المصدر الصريح ، مثل: كتابة جمل وعبارات تحتوي على الهمزة المتوسطة: (المكسورة، والمضمومة، والمفتوحة، والساكنة) ، وقراءة النصوص الشعرية قراءة معبرة مصحوبة بالإيقاع الموسيقى العروضي ، وهكذا.
يسجل المعلم مقابل الموضوع الرئيس الأساليب التي سوف يستخدمها ؛ لتنفيذ الوحدة الوسائل التعليمية ، أو الأنشطة التي سيقوم بها ، أو سيكلف التلاميذ القيام بها.
يسجل في فقرة التقويم في الخطة الفصلية أساليب التقويم التي سيطبقها، فإذا كان اختباراً موضوعياً ، فإن إعداده يتطلب بعض الوقت وذلك للتأكد من صدقه وشموليته ، وثباته ، وغيرها من صفات الاختبار الموضوعي .
1) تحديد الهدف العام من الدرس ؛ لمعرفة لماذا وضع هذا الدرس .
2) قراءة كل فقرة من الدرس ؛ لأن لكل فقرة من الدرس هدف خاص وضعت من اجله .
3) صياغة أهداف متنوعة وشاملة و متدرجة لكل فقرات الدرس .
4) تحديد أساليب وطرائق التدريس المناسبة للمتعلمين قدر الإمكان ، و للمحتوى وللأهداف الدرسية .
5) تحديد أساليب التقويم المناسب للمحتوى ، و للأهداف ، و أساليب التدريس .
الاثنين، 10 نوفمبر 2014
الشعراء الظرفاء
ومن الأغراض الاجتماعية : قال إبراهيم بن عمر خرج أبو نواس في أيّام العشر يريد شراءَ أضحية ٍ فلمّا صار في المربد إذا هو بأعرابي قد أدخل شاة ً له يقدمها كبشٌ فارهٌ فقال لأجرِّبنّ هذا الأعرابي فأنظر ما عنده فإني أظنّه عاقلاً , فقال أبو نواسٍ :
أيا صاحب الشّاة الّتي قد تسوقها * * *بكم ذاكم الكبش الذي قد تقدّما
فقال الأعرابيّ :
أبيعكه إن كنت ممّن يريده * * *ولم تكُ مزّاحاً بعشرين درهما
فقال أبو نواسٍ:
أجدت رعاك الله ردَّ جوابنا * * *فأحسن إلينا إن أردت التّكرما
فقال الأعرابي :
أحطُّ من العشرين خمساً فإننّي * * * أراك ظريفاً فأقبضنه مسلماً
ومن أغراض الحب والغزل : ما روى من أنه في ذات يوم اجتمع الشعراء الثلاثة أبو نواس ودعبل وأبو العتاهية في مجلس من مجالس الطرب فأقاموا فيه ثلاثة أيام. فلما كان اليوم الرابع انصرفوا يريدون منازلهم …فقال أبو العتاهية عند من نكون اليوم ؟؟؟؟؟فقال أبو نواس: في كل منا فضيلة، فهيا نمتحن قرائحنا في الشعر فمن فاق أخوته كنا عنده وبينما هم يتحدثون أقبلت فتاة حسناء كأنها البدر المنير أو الشمس المضيئة مكللة بالزبرجد موشحه بالعسجد محلاة بالحلي الثمين والجواهر الغالية تهتز دلالا كأنها نشوى وليس بها من عيب كأنها فد تبرأت من العلل والنقائص وكانت ترتدي ثلاثة أثواب من الحرير كل واحد أقصر من الأخر فالأعلى (الأول) أبيض،(الأوسط) أسود (الأسفل) أحمر فقال أبو النواس: الحمد لله الذي فتح لنا بهذا فليقل كل منا شعرا في ثوب… فقال أبو العتاهية في الثوب الأبيض شعرا :
وقال دعبل في الثوب الأسود :
وقال أبو نواس في الثوب الأحمر شعرا :
و لما غدت تتقن بحث المبتدأ و الخبر قال:
وقال أحد الظرفاء وقد تزوجت اثنتين فنغصتا عليه حياته :
ومن أغراضه الهجاء والسخرية , ويكون ذلك للغير وأحيانا يكون من النفس . فهناك شاعر دميم الوجه خرج في سفر إلى اليمن فدخل قرية لم يجد فيها حسب ما زعم وجها يضاهي وجهه وساما و جمالا فاندهش لهذه الصدفة الغريبة فأوحت إليه القريحة بهذين البيتين من الشعر يعبر عنهما عن حالة الصدمة التي استولت عليه لدى دخوله هذه البلدة فيقول :
و هذا الصنف الساخر استهوى العديد من شعراء العربية في ذلك الزمان و استحوذ على اهتمامهم الشعري كالحطيئة مثلا الذي جعل هذا الجانب فنه المفضل الذي لا يبارى فيه و هو يتخذ عنده لونا فريدا ينحو فيه منحى السخرية اللاذعة و الإضحاك المبطن و يروي عنه أنه رغب في قول الهجاء فلم يجد من يطلق عليه سهام هجائه فضاق ذرعا بأمر هذه الشحنة التي بدأت تتلجج في صدره فأخذ يبحث عن المخرج كي يتمكن من تفريغها فقال :
أبت شفتاي اليوم ألا تكلما * * * بسوء فما أدري لمن أنا قائله
وجعل يردد هذا البيت و يدور في فناء المنزل فرأى وجهه في المرآة كانت معلقة على جدار إحدى الغرف فهاله منظره و تطير من قبحه فقال هذا البيت الذي تقطر مفرداته سخرية واستهزاء.
لي وجه قبح الله خلقه * * * فقبح من وجه و قبح حامله
وابن الرومي الذي سخر من كل شيء حتى من نفسه و ذكرت في مقالة شعراء الآخرين و لكن اقتصر المقال على شاعرين مع العلم أن هناك شعراء ظرفاء كثيرين أكثر سخرية من هؤلاء الذين ذكرتيهم كنت أتمنى أن تتناولي أكثر من هؤلاء الشعراء و الذين لم يشتهروا بالسخرية أكثر من \"بشار بن برد \"الذي قال في شعره ساخرا من الشاة التي قدمها له الفتى و كانت ضعيفة نحيلة :
ومن أغراضه حسن التخلص , وقصة أبي نواس مع احد خلفاء زمانه ،تدل على ذلك فقد دخل على الخليفة وقتئذ وهو يريد أن ينشده قصيدة طامعاً في بعض المال ولكنه وجد الخليفة مشغولا بمداعبة إحدى جواريه ، تسمى خالصة ، وكانت قد وضع على عنقها عقدا نفيساً ،ولم يعر الخليفة أي انتباه لما قاله أبو نواس , فخرج أبو نواس من عند الخليفة غاضباً صفر اليدين فتكب على باب الخليفة الأتي:
لقد ضاع شعري على بابكم * * * كما ضاع العقد على صدر خالصة
وانصرف فرأت الجارية الكلام المكتوب فأردت أن توقع به فأسرعت للخليفة مشتكيةً ،فغضب الخليفة وأرسل لأبي نواس في الحال وعندما حضر لبيت الخليفة كان يعلم الأمر وما سيجري له ، لكن فطنت وذكاء أبو نواس أنقذته فعندما صل إلى الباب مسح الجزء الأدنى من حرف العين في كلمت (ضاع) قبل أن يدخل فانقلب الشعر:
لقد ضاء شعري على بابكم * * * كما ضاء العقد على صدر خالصة
إِقْدَامُ عمْرٍو في سماحةِ حاتمٍ * * * في حِلم أحنْفَ في ذكاءِ إِياسِ
قال له الكندي الفيلسوف وكان حاضراً: الأمير فوق ما وصفت، فأطرق قليلاً، ثم رفع رأسه وأنشد:
يقولون أن الشوق نار ولوعة* * * فما بال شوقي اليوم أصبح باردا
فرد شوقي المتوقد الذهن والبديهة:
استودعت إنسانا وكلبا أمانة* * * فضيعها الإنسان والكلب حافظ
وكذا تنوع الشعر الظريف لأغراض مختلفة مثل : الوصف وغيره , يقول البهاء زهير وهوشا عر مصري من العصور المتتابعة واصفا بغلة :
وقال الحمدوني في شاة:
والشاعر إسماعيل صبري كان له أخت اسمها اسما و كان على باب البيت و لم يستطع الدخول فقال :
هذا شعر قلعت عيناه فأبصر
ففي ذات يوم دخل أبو نواس على الخليفة وهو جالس عند خالصة فامتدحه بقصيدته النونية العصماء فلم يلتفت إليه الرشيد ولم يعره التفاته تشجعه على إتمام القصيدة بل ضل مشغولا بمداعبة خالصة الحسناء فاشتد الغيض بابي نواس وتشاجرت الوساوس في صدره لدرجه جعلته كالأبكم لا يبدي ولا يعيد... وانصرف من حضرة أمير المؤمنين وهو حاقد على خالصة ولما انتهى إلى باب المقاصير الخاصة بخالصة كتب على الباب يقول شعرا:
لقد ضاع شعري على بابكم
كما ضاع عقد على خالصة
ثم انصرف وهو كالمحموم من شدة غيضه وفي الصباح مر بعض الخدم المخلصين لخالصة فقرأ ما على بابها من الشعر فذهب إليها واخبرها فلم تصدق قولهم وذهبت بنفسها إلى الباب فقرأت الشعر فهاجت غضبا وقالت: تالله ما كتب هذا الشعر غير أبي نواس ثم تغيرت عليه حتى كاد يقتلها الغيض منه ولما جاءها أمير المؤمنين هارون الرشيد وجدها تبكي وهي في قهر شديد فسألها عن السبب فأرشدته إلى الشعر فقالت: لا يجرأ احد على كتابة هذا الشعر غير أبي نواس فقال الرشيد: إن الخط خطه ولا بد من عقابه حتى لا يعود لمثل ذلك – ثم نظر إلى احد اتباعه وقال علي بابي نواس فذهب الخدم لإحضاره وجدوا جميعا في طلبه ولما علم أبو نواس الغرض من هذا الطلب جاء حتى مر من ناحية الباب حيث كان قد كتب الشعر فمحى تجويف العين من الموضعين من ضاع فصار أول العين مثل الهمزة. وصار يقرأ البيت هكذا:
لقد ضاء شعري على بابكم
كما ضاء عقد على خالصة
ودخل على أمير المؤمنين فلما رآه استشاط غضبا وصاح به ويحك يا أبا نواس ما هذا الذي كتبته على باب خالصة
فقال : وما هذا الذي تقوله عنه يا مولاي
أجاب: الشعر الذي هجوتني به.
فقال حاشا لله يا أمير المؤمنين أن يحصل مني ما تقول إنني يا مولاي مدحت وما هجوت وهيا بنا لنرى ما كتبت فقام الخليفة وهو يقول: تالله لئن لم يكن ما تقول فأنت مقتول ثم سار الخليفة وأبو نواس خلفه.
فلما وصل إلى الباب قرأ الشعر هكذا:
لقد ضاء شعري على بابكم
كما ضاء عقد على خالصة
فأعجب الخليفة بهذه البداهة وأمر له بألف دينار فقال بعض من كان حاضر انه يا أمير المؤمنين قد قلب العين همزه فمسح تجويفها في الموضعين فقال قد عرفت ذلك ولأجل هذا قد كافأته...
في كتاب آخر قرأت إسم الجارية على أنها عاتقة
للاسف لا اذكر اسم الكتاب
السبت، 27 سبتمبر 2014
الخميس، 11 سبتمبر 2014
الأربعاء، 27 أغسطس 2014
الخميس، 7 أغسطس 2014
اسم رائحة المطر ؟
الكلمة مكونة من جزئين:
بيتروس – petros ومعناها حجر – stone باليونانية.
إيكور – ichor وهو اسم السائل الذي يمشي بعروق الآلهة في الأساطير اليونانية .
مجموعة عوامل تدخل في عملية تكوين هذة الرائحة وهي بالترتيب :
1- العنصر المميز والحيوي في هذة الرائحة هو بكتيريا اسمها أكتينومايسيتس – actinomycetes، هذة البكتيريا تنمو في التربة الدافئة والرطبة ولما تصبح التربة جافة تبدأ البكتيريا تنتج جراثيم ، وعندما ينزل المطر تزيد نسبة الرطوبة في الهواء وهذة الجراثيم تصعد وتطير في الجو ، بمعنى الرطوبة تعمل مثل معطر جو ...
نعم ، هذة الرائحة الحلوة هي رائحة الجراثيم التي نتنفسها رائحتها مثل رائحة تراب أو أرض مبللة .
هذا النوع من البكتيريا شائع ويعيش تقريباً على كل سطح الأرض ، لهذا نشم مثل الرائحة في كل مكان ، وكلما كانت الأرض جافة أكثر كلما تكون الجراثيم متجمعة ومركّزة أكثر في التربة لأن البكتيريا تنتجها في التربة الجافة وكلما استمر الجفاف كلما تركزت وزادت نسبة الجراثيم اللي تنتجها ، عندما تمطر السماء تشم هذة الرائحة قوية جداً بسبب تركيز الجراثيم .
هذة الجراثيم جداً مهمة للتربة وتعطيها جرعة قوية من التغذية لأنها تحلل الكثير من المواد العضوية ، لهذا المطر جداً مهم أكثر من الماء العادي .
هذة الجراثيم تدخل في صناعة كثير من المضادات الحيوية والأدوية لقدرتها القوية على تحليل المواد العضوية.
2- عامل آخر يشارك في هذا الموضوع هو حمضية المطر ، بسبب الكيماويات في الجو التي يصيبها المطر وهو ينزل من السماء تراه يصبح حمضي قليلاً – acidic ، بمجرد أن يصيب هذا الحمضي أي شيء عضوي على الأرض من نبات أو تربة زراعية سوف يتفاعل معه بنسبة معينة ويخرج من هذة التفاعلات الصغيرة المتجمعةرائحة مميزة لها دورها في تمييز المطر عن أي حالة أخرى - غسيل السيارة والأرض مثلاً .
هذة التفاعلات تفكك التربة ، تخرج نسبة من المعادن المخزنة ، تتفاعل مع السوائل على الأرض من بترول أو زيت أو أي شيء آخر وترفع من قوة الرائحة ، غالباً هذا العامل يفسد قليلاً على رائحة الجراثيم الحلوة ويعطيها طعم أو نكهة “صناعية” ، عندما تكون في البر أو المزرعة تشعر أن الرائحة ألذ منها في المدينة والزحام لهذا السبب .
3- العامل الثالث هو الزيوت والسوائل المتطايرة التي تنتجها الأشجار والنباتات ، مع المطر تتصاعد رائحة هذة الزيوت والسوائل في رطوبة الجو وتعطي مزيج طيب مثل البهارات على الأكل ، نكهة جو “ طازج ” طبيعي .
4- عندما يصبح المطر قوي وتستطيع أن تقول أنها عاصفة ينشر البرق الأوزون – o3 في الجو . الأوزون رائحته حلوة محبوبة للأنف ، البرق كهرباء تحلل الأكسجين في الجو o2 ويجعله يصبح أوزون o3 ، رائحة الأوزون تستطيع ملاحظتها بجانب أجهزة التصوير (الفوتوكوبيير) في العمل أو طابعات الليزر، تكون حرارة الجهاز عالية ويستخدم قوة ضوئية عالية تعطيك نفس رائحة الأوزون الحلوة - ولو أخف قليلا - التي تحبها بالمطر .
بشكل عام هذة العوامل الأساسية وفي بعض المرات تنضاف عوامل أخرى مثل رائحة المعادن والأحجار الطبيعية التي يعطون طابع مميز أو بصمة لرائحة المنطقة ، اختلاف العوامل وعددها الكبير المتجمع يجعل من هذة الرائحة صعب إنتاجها بصورة صناعية غير طبيعية ، وإلا كانوا يبيعونهم بزجاجات ومعطرات الجو التي نراها في السوق .
الاثنين، 20 فبراير 2012
علاج الضعف في النحو
ولعل من أسباب صعوبة النحو العربي في المدارس أنها كدست أبوب النحو في مناهجها، وأرهق بها التلاميذ، وإن عناية المعلمين متجهة إلى الجانب النظري منها، فلم يعنوا بالناحية التطبيقية إلا بالقدر الرئيسي الذي يساعد على فهم القاعدة وحفظها للمرور في امتحان يوضع عادة بصورة لا تتطلب أكثر من ذلك، ومعلم اللغة العربية ليس في حاجة إلى أن يقنع بأنه لا خير في قواعد يفهمها الطلبة ويحفظونها دون أن تتبع بتطبيق عملي يجعل اللغة مهارة من شأنها سرعة الأداء مع صحة التعبير، ولكنه لا يجد من الوقت متسعا للتطبيق على هذه الأبواب الكثيرة من النحو التي شحن بها المنهج الدراسي من غير تمييز بين ما هو ضروري منها وما هو غير ضروري، فقد أصبح الوقت المخصص لها في الجدول المدرسي لا يكاد يكفي لدراستها، واضطر المعلمون مسايرة للامتحانات ونتائجها أن يطغوا بالقواعد والتطبيق على حصص القراءة وغيرها من حصص اللغة، وسيظل النحو يشغلنا ويصرفنا عن الأدب الممتع ما لم نضعه من اللغة في المكانة التي يجب أن يكون له لا يتعداها، بل إن النحو نفسه بهذا لا يستطيع الطلبة الانتفاع به، وحسبنا أنا أخفقنا في تعويد الطلبة صحة استخدام النحو في تعبيرهم، والقراءة الصحيحة الخالية من اللحن (شحاتة، 1993 ص202).
ويضيف العلي أن من أسباب ضعف الطلبة في النحو كثرة الأوجه الإعرابية المختلفة والتعاريف المتعددة وكثرة موضوعات النحو المقررة في السنة الواحدة، وقلة التدريبات الفاعلة في مباحث النحو (العلي، 1998).
ويرجع زقوت الوارد في (أبو شتات، 2005) صعوبة النحو إلى عوامل تتعلق بطبيعة المتعلم حيث يشعر كثير من الطلاب بجفاء بينهم وبين مادة النحو، وذلك لعدم إدراكه للهدف الصحيح من وراء تعلمه، وان عدم وضوح هذا الهدف عن تعلم قواعد اللغة، وذلك لانعدام الدافع، ولو أن الطلاب قد بدؤوا يشعروا بأن تعلم النحو يعينهم على سلامة التعبير و صحة الفهم وأنه ضروري لا بد منها لزاد اهتمامهم بالنحو، لأقبلوا عليه، كما ويرتبط بذلك تدني قيمة الدرجة المعطاة لفرع النحو مقارنة بالدرجات الممنوحة لبقية فروع اللغة الأخرى ولعل هذا ما دفع المجتمعين في مؤتمر اتحاد المعلمين العرب، والذي عقد في الخرطوم عام 1976، إلى المطالبة بفصل اللغة العربية عن آدابها، بحيث يكون لكل منها درجة نجاح ورسوب، حتى تزداد عناية الطالب بالنحو وقواعده.
وللبيئة المحيطة بالمتعلم أثرا في صعوبة النحو فقد أصبحنا نعيش في بيئات سيطرت فيها العامية في مختلف مناحي الحياة، وإن معظم ما يتعلمه الطلاب داخل المدارس، لا يلبث أن يذوب ويختفي بمجرد خروجه إلى الشارع، أو العودة إلى البيت، وهذا الأمر ترتب عليه حرمان الطلاب من الاستماع إلى الأساليب الصحيحة، والتراكيب السليمة، وقد أشار ابن خلدون إلى هذه الظاهرة وأثرها في تكوين ملكة الحديث، وأرجع إليه العلة في فساد لغة العرب قديما، وتلعب وسائل الإعلام سواء كانت مرئية أو مسموعة أو مكتوبة دورا هاما في شخصية الأفراد بشكل عام، والطلاب بصفة خاصة، ومن هنا تبرز خطورة هذه الوسائل لما يشيع فيها من اللحن والتحريف على ألسنة العاملين فيها في أبسط قواعد اللغة، بل إن كثيرا من الإذاعات وخاصة المرئية منها وتستخدم اللغة العامية واللهجات المحلية، كما أن كثيرا من الصحف تشيع فيها أخطاء كتابية بارزة (أبو شتات، 2005).
أبرز أساليب علاج الضعف النحوي:
جعل فروع اللغة العربية في خدمة النحو، تبسيط مادة النحو منهجيا وتنفيذيا، تعويد التلاميذ سماع الأساليب العربية الصيحة ومحاكاتها، مراعاة الفروق الفردية ومستويات التلاميذ ونموهم اللغوي، التركيز على المباحث النحوية الوظيفية التي تستعمل في العصر الحاضر خاصة، التزام المنهجية في تقديم المباحث النحوية، وضع التدريبات الملائمة لكل موضوع وتنويعها، العناية بالإخراج الجيد لكتب النحو وإغناؤها بالوسائل المعينة، إقامة دورات مستمرة لمدرسي اللغة العربية، التوسع في استخدام الوسائل التعليمية (العلي، 1998).
ويضيف أبو رضوان طرقا أخرى لعلاج ضعف الطلاب في النحو كالابتعاد عن الاهتمام بالآراء المختلفة للبصريين والكوفيين وغيرهم وترك ذلك لرواد التخصص والبحث، اعتماد قواعد بصرفية يساعد على الإقلال من هذا الضعف، والابتعاد عن التأليف الأكاديمي القديم، وترك الشواهد العتيقة والأمثلة الجافة، كل ذلك من شأنه إزالة الحاجز النفسي الذي يقوم بين التلاميذ ومادة القواعد، تبني أسلوب تدريس القواعد على تقديم القاعدة في موقف لغوي كامل، كتقديم قصة أو مقالة أو سورة من القرآن يكثر فيها دون أمثلة القاعدة المعينة، ثم ترك الطالب يستنبط القاعدة بنفسه من خلال مطالعته لذلك الموقف اللغوي الكامل، والإكثار بعد ذلك من الأمثلة الواقعية التي يقوم بها التلاميذ بأنفسهم تطبيقا على القاعدة المعينة فما أن يتم كل ذلك إلا وتكون القاعدة قد أصبحت من البديهيات التي يسلم بها التلميذ ويرى في تطبيقها أمرا طبيعيا (أبو رضوان، 1998).
مصادر الشعر الجاهلي 1
ان ماوصلنا من التراث الادبي الجاهلي الصحيح الموثوق من شعر وخطب وحكمة قليل بسبب غياب التدوين في ذلك الوقت ولو كان التدوين حاضرا وقتها لأتانا كم هائل من الادب الذي ضاع معظمه وان ماوصلنا لايمكن الجزم بانه صحيح لالبس فيه أو انه لم يتعرض للاضافات والزيادات على مر الزمن فكتب الشعر والدواوين لم تظهر في ايدي الناس الا بعد مرور قرن ونصف على تدوين القرآن الكريم , وكانت محاضرات سمعها الرواة من شيوخ الادب او نسبوها اليهم , ولكن لايمكن الانجراف وراء الرأي القائل ان الادب الجاهلي غير صحيح جملة فقسم منه لو اسقطناه على البيئة الجاهلية وعلى المجتمع الجاهلي وعلى الاسلوب الجاهلي لتطابق مع العقلية الجاهلية ومع طريقة التفكير لديهم .
ويعترض آخرون قائلين ان التدوين وجد منذ العصر الجاهلي لكنه لم يثبت امام النقل الشفاهي للشعر , ويعود هؤلاء الى قصة صحيفة لقمان التي قدمها سويد بن الصامت الى رسول الله (ص) , واحتجوا بالمعلقات التي كتبت بماء الذهب وعلقت على جدران الكعبة رغم ان ابن النحاس (القرن الرابع الهجري) انكر تسمية المعلقات وشك في ان تكون علقت على جدران الكعبة وسماها بالقصائد الطوال , وهم يذكرون اسماء من عرف الكتابة وقتها من أمثال عبد الله بن رواحة , والنابغة الذبياني , ولقيط بن يعمر الايادي الذي كان كاتبا في بلاط الفرس , وكذلك اسماء من تعلم الخط والنقش في مدارس الحيرة كالمرقش وحرملة .
ونشأ خلاف في الرأي حول موثوقية ماانتقل الينا من التراث الجاهلي ولكن من الثابت ان الرواة هم من نقل الشعر الجاهلي عبر العصور وليس المدوّنات وانتقلت النصوص في صدور الناس عبر العصور حتى بدأت مرحلة التدوين الحقيقي في العصر العباسي الاول فأخذ المدوّنون يحققون النصوص ويفسرون غريب متونها واهتموا بالاسانيد نتيجة تأثرهم برواية الحديث الشريف وتدوينه , ولك تكن الاسانيد بحد ذاتها مريحة للقارئ النهم فقد كانت تربك النص وتزيد حجم الكتاب فلو حذفنا اسانيد كتاب الاغاني مثلا لخف حجم الكتاب الى النصف .
ومايهمنا هنا هو انه بعد عصر التدوين وانتشار الكتب وتداولها ظهر ما يمكن ان نسميه مصادر الشعر الجاهلي التي لايمكن ان يستغني عنها من يشتغل في هذا الاتجاه , وقد أمكن بعد ظهور هذا الكم الهائل من المراجع والبحوث والدواوين تصنيف مراجع الادب الجاهلي الى خمس زمر هي :
1 – دواوين الشعراء : دونت نتف منها في الجاهلية ودون جزء آخر في صدر الاسلام ولم يكن ممكنا تداولها بين الناس والاطمئنان اليها الا بعد موافقة شفوية من الطبقة الاولى من الرواة الذين توزعوا على مدرستي الكوفة والبصرة ورغم الخلاف بين المدرستين الا ان ذلك قيض ظهور دواوين امرئ القيس , وزهير وعلقمة الفحل وعنترة وغيرهم , وجاء بعدهم جيل من الرواة كونوا مدرسة بغداد فأخذوا من كلا المدرستين ووثقوا النص أكثر من السابق .
2 – دواوين القبائل : وهي دواوين تضم اشعارا لقبائل بعينها بحيث يختص كل ديوان بقبيلة وشعرائها , وعندما صنف الرواة مجموعاتهم تلك التي قارب عددها ستين مجموعة وفق مانقله الآمدي عادوا الى كتب القبائل وكان لكل قبيلة نوع من السجل اطلق عليه تجاوزا اسم كتاب فيه جمع لمفاخر القبيلة ووقائعها وابطالها , وافادهم تجميع شعر قبيلة بعينها في التعرف على لهجة هذه القبيلة ومواصفات لغتها , واشهر من تحمل هذا العبء ابو سعيد السكري , وابو عمرو الشيباني , وقد بدأ هذا التجميع بعد الهجرة بثلاثة قرون .
ورغم ان ابن النديم ذكر اسم اكثر من عشرين مجموعة صنفها ابو سعيد السكري الا ان ماوصلنا هو فقط ديوان قبيلة هذيل , ولنا ان نأسف على هذا الكم الكبير من التراث والمدونات التي ضاعت .
3 – المجموعات الشعرية : بدأت المجموعات الشعرية بالمعلقات السبع ثم العشر وظهرت الشروح لها وجاء جيل جديد من المجموعات الشعرية التي كانت أضاميم من القصائد والاشعار والمقطعات التي اختارها ذوق جامع المجموعة بلا رابط يؤلف بينها , واشهر تلك المجموعات المفضليات , والاصمعيات , ودواوين الحماسة (حماسات ابي تمام والبحتري والعبيدي ..الخ) , وجمهرة اشعار العرب للقرشي .
4 – كتب النحو واللغة : ومنها كتاب سيبويه وماتضمنه من شواهد في الشعر الجاهلي , وكتاب اصلاح المنطق لابن السكيت , وكتاب تهذيب الالفاظ , وهي كتب عجب بشواهد الشعر الجاهلي والخطب والنصوص النثرية لاثبات الآراء النحوية والفصل في المسائل اللغوية المعقدة وقد تعب مؤلفو تلك الكتب في جمع هذه الاشعار وتبويبها وايراد كل شاهد في مكانه , ولكن اول كتاب يصلنا يحمل مفهوم النقد الممنهج هو كتاب طبقات الشعراء لابن سلام الجمحي , ورغم ان النقد الادبي في تلك المرحلة كان لايزال يحبوا إلا ان كثيرا من الآراء الصائبة التي قدمها المؤلف تشير الى انه اسس لنوع جديد من التأليف عمد بعده كثيرون الى تقليده .
5 - كتب التاريخ والادب : ومنها كتب السير والمغازي وأيام العرب والتاريخ وكتب الادب والامثال , وقد استشهد مؤلفوها بكثير من الشعر الجاهلي لاثبات الوقائع واضفاء الجو القصصي المثير على الرواية فضلا عن توثيقها بما لايحمل مجالا للشك في صحتها , وتحفل هذه الكتب بنصوص نادرة من خطب وقصص وأمثال