خلّف بخطه خمسمائة مجلد
ابن منظور لسان العرب وعمدة اللغة
الأديب الإمام اللغوي الحجة ابن منظور من المفاخر الخالدة في التراث العربي الإسلامي، وهو من أفضل علماء عصره في المعارف الكونية والفقه واللغة.
ويقول الدكتور عبدالحليم عويس، أستاذ الحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر، ولد القاضي جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم بن عليّ بن أحمد، الأنصاري الرويفعي الأفريقي المصري المعروف بابن منظور، وينسب إلى رويفع بن ثابت الأنصاري من صحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالقاهرة على الأرجح وقيل بطرابلس يوم الاثنين في شهر المحرم عام 630 هـ/ 1232م، ودرس على مشاهير العلماء الفقه واللغة والنحو والأدب والتاريخ والكتابة.
وعرف بالذكاء والنجابة وجذبته الحركة العلمية التي امتلأ بها بيت أبيه فأمضى سنوات عمره في تلقي دروس العلم والتحصيل والتردد على حلقات العلماء، فأخذ عن ابن يوسف بن المخيلي وعبدالرحمن بن الطفيل ومرتضى بن حاتم وابن المقير وغيرهم. وصور ابن منظور في مقدمة كتابه: «نثار الأزهار في الليل والنهار» تلك المرحلة قائلاً: «كنت في أيام الوالد -رحمه الله- أرى تردد العقلاء إليه وتهافت الأدباء عليه، ورأيت الشيخ شرف الدين أحمد بن يوسف بن أحمد التيفاشي العبسي في جملتهم، وأنا في سن الطفولة لا أدري ما يقولونه، ولا أشاركهم فيما يلقونه، غير أني كنت أسمعه يذكر للوالد كتاباً صنفه، أفنى فيه عمره، واستغرق دهره، وأنه سماه (فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولي الألباب)، وأنه لم يجمع ما جمعه في كتاب. وكنت شديد الشوق إلى الوقوف عليه، وتوفي الوالد في سنة 645 هـ، وشغلت عن الكتاب».
وأجمع الذين أرخوا له على علو كعبه في الإنشاء نظماً ونثراً، فقرأ أمهات كتب الأدب، ورواها بالإسناد عن شيوخه، وكان أديباً كبيراً إلى جانب كونه محدثاً فقيهاً، له بيان قوي وأسلوب بليغ، يشف عن ثقافة لغوية متمكنة وبصر بالعربية وفنونها، وأهلته كفاءته للعمل مدة طويلة بديوان الإنشاء بالقاهرة، ولورعه وتفقهه وسعة أفقه أسند إليه منصب القضاء في طرابلس. وشهد له معاصروه بالسبق والتقدم وروى عنه السبكي والذهبي، وقد حدث بمصر ودمشق وتتلمذ على ابن منظور الكثيرون منهم علم الدين البرزالي وتقيّ الدين السبكي والشمس الذهبي وابنه قطب الدين.
مؤلفات ابن منظور
وأشاد به العلماء وأثنوا عليه، وقال الصفدي: «انه ترك بخطه خمسمئة مجلدة، ولا أعرف في كتب الأدب شيئاً إلا وقد اختصره، ولم يزل يكتب إلى أن أضر وعمي في آخر عمره رحمه الله تعالى». وقال عنه ابن حجر: «وكان مغرماً باختصار كتب الأدب المطولة، اختصر الأغاني والعِقْد والذخيرة والمحاضرة ومفردات ابن البيطار والتواريخ الكبار وكان لا يمل ذلك».
وتوزعت مؤلفات ابن منظور بين جمع الأخبار والمواد والفوائد وترتيبها وتبويبها. وشغف في تصنيفاته بعمل اختصارات للكتب السابقة عليه والمطولات، وترك مؤلفات وتصانيف قيمة من أهمها «مختار الأغاني الكبير»، ويقع في اثني عشر جزءاً و»مختصر زهر الآداب للحصري»، و»مختصر يتيمة الدهر للثعالبي» و»لطائف الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة» و»اختصر به ذخيرة ابن بسام» و»مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر» ويقع في ثلاثين مجلداً، و»مختصر تاريخ بغداد للسمعاني» و»مختصر كتاب الحيوان للجاحظ» و»مختصر أخبار المذاكرة والمحاضرة للتنوخي»، و»نثار الأزهار في الليل والنهار في الأدب» و»أخبار أبي نواس» و»صفوة الصفوة» و»مفردات ابن البيطار» و»فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولى الألباب»، و»تهذيب الخواص من درة الغواص للحريري»، وغيرها.
«لسان العرب»
ومن أشهر أعماله وأكبرها كتابه «لسان العرب»، الذي طير شهرته في الآفاق فهو عمدة في علم اللغة وأشمل معاجم العربية، حيث جمع فيه أمَّات كتب اللغة، ونهج فيه نهجاً جديداً، باعتماد الترتيب الهجائي للحروف، بانياً أبوابه على الحرف الأخير من الكلمة، وأول أبوابه ما ينتهي بالهمزة.
ويُعد لسان العرب معجماً موسوعياً، إذ يقع في عشرين جزءاً كبيراً، ويتسم بغزارة المادة وبلغ عدد المواد اللغوية به ثمانين ألف مادة، واستشهد فيه بكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وأبيات الشعر، التي وصلت إلى قرابة اثنين وثلاثين ألف بيت، موزعة بين عصور الرواية الشعرية. كما حرص فيه على تفسير الحروف المقطعة في أول سور القرآن الكريم، وأورد ألقاب حروف المعجم وطبائعها وخواصها، وآراء اللغويين والنحويين وغير ذلك من الأخبار والآثار، مما يعكس كثيراً من مظاهر حياة اللغة العربية وحياة المجتمع العربي، على نحو يجعله مفيداً لا في المجال المعجمي اللغوي فقط، بل وفي مجالات علمية أخرى كثيرة.
اندحار الصليبيين
شهد ابن منظور اندحار الصليبيين وخروجهم نهائياً من بلاد الشام ومصر بعد أن عاثوا فيها فساداً وتدميراً على مدى قرنين من الزمن، وشهد كذلك انحسار الغزو المغولي الذي اجتاح دار الخلافة ببغداد سنة 656 هـ، واجتاح بلاد الشام في موجة عاتية من القتل والتدمير جاءت في إثر ما تركه الصليبيون من حرب ودمار. وذكر السيوطي دقائق الفترة التاريخية التي عاشها ابن منظور، والظروف التي دفعته لوضع مصنفاته ومنها «لسان العرب»، إذ أورد ما قاله ابن منظور: «فجمعت هذا الكتاب في زمن، أهله بغير لغته يفخرون، وصنعته، كما صنع نوح الفلك وقومه منه يسخرون، وسميته لسان العرب». وأصيب ابن منظور -رحمه الله- بالعمى في آخر عمره، ولقي ربه بعد حياة علمية حافلة بمصر في شعبان سنة 711 هـ .
ابن منظور لسان العرب وعمدة اللغة
الأديب الإمام اللغوي الحجة ابن منظور من المفاخر الخالدة في التراث العربي الإسلامي، وهو من أفضل علماء عصره في المعارف الكونية والفقه واللغة.
ويقول الدكتور عبدالحليم عويس، أستاذ الحضارة الإسلامية بجامعة الأزهر، ولد القاضي جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم بن عليّ بن أحمد، الأنصاري الرويفعي الأفريقي المصري المعروف بابن منظور، وينسب إلى رويفع بن ثابت الأنصاري من صحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالقاهرة على الأرجح وقيل بطرابلس يوم الاثنين في شهر المحرم عام 630 هـ/ 1232م، ودرس على مشاهير العلماء الفقه واللغة والنحو والأدب والتاريخ والكتابة.
وعرف بالذكاء والنجابة وجذبته الحركة العلمية التي امتلأ بها بيت أبيه فأمضى سنوات عمره في تلقي دروس العلم والتحصيل والتردد على حلقات العلماء، فأخذ عن ابن يوسف بن المخيلي وعبدالرحمن بن الطفيل ومرتضى بن حاتم وابن المقير وغيرهم. وصور ابن منظور في مقدمة كتابه: «نثار الأزهار في الليل والنهار» تلك المرحلة قائلاً: «كنت في أيام الوالد -رحمه الله- أرى تردد العقلاء إليه وتهافت الأدباء عليه، ورأيت الشيخ شرف الدين أحمد بن يوسف بن أحمد التيفاشي العبسي في جملتهم، وأنا في سن الطفولة لا أدري ما يقولونه، ولا أشاركهم فيما يلقونه، غير أني كنت أسمعه يذكر للوالد كتاباً صنفه، أفنى فيه عمره، واستغرق دهره، وأنه سماه (فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولي الألباب)، وأنه لم يجمع ما جمعه في كتاب. وكنت شديد الشوق إلى الوقوف عليه، وتوفي الوالد في سنة 645 هـ، وشغلت عن الكتاب».
وأجمع الذين أرخوا له على علو كعبه في الإنشاء نظماً ونثراً، فقرأ أمهات كتب الأدب، ورواها بالإسناد عن شيوخه، وكان أديباً كبيراً إلى جانب كونه محدثاً فقيهاً، له بيان قوي وأسلوب بليغ، يشف عن ثقافة لغوية متمكنة وبصر بالعربية وفنونها، وأهلته كفاءته للعمل مدة طويلة بديوان الإنشاء بالقاهرة، ولورعه وتفقهه وسعة أفقه أسند إليه منصب القضاء في طرابلس. وشهد له معاصروه بالسبق والتقدم وروى عنه السبكي والذهبي، وقد حدث بمصر ودمشق وتتلمذ على ابن منظور الكثيرون منهم علم الدين البرزالي وتقيّ الدين السبكي والشمس الذهبي وابنه قطب الدين.
مؤلفات ابن منظور
وأشاد به العلماء وأثنوا عليه، وقال الصفدي: «انه ترك بخطه خمسمئة مجلدة، ولا أعرف في كتب الأدب شيئاً إلا وقد اختصره، ولم يزل يكتب إلى أن أضر وعمي في آخر عمره رحمه الله تعالى». وقال عنه ابن حجر: «وكان مغرماً باختصار كتب الأدب المطولة، اختصر الأغاني والعِقْد والذخيرة والمحاضرة ومفردات ابن البيطار والتواريخ الكبار وكان لا يمل ذلك».
وتوزعت مؤلفات ابن منظور بين جمع الأخبار والمواد والفوائد وترتيبها وتبويبها. وشغف في تصنيفاته بعمل اختصارات للكتب السابقة عليه والمطولات، وترك مؤلفات وتصانيف قيمة من أهمها «مختار الأغاني الكبير»، ويقع في اثني عشر جزءاً و»مختصر زهر الآداب للحصري»، و»مختصر يتيمة الدهر للثعالبي» و»لطائف الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة» و»اختصر به ذخيرة ابن بسام» و»مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر» ويقع في ثلاثين مجلداً، و»مختصر تاريخ بغداد للسمعاني» و»مختصر كتاب الحيوان للجاحظ» و»مختصر أخبار المذاكرة والمحاضرة للتنوخي»، و»نثار الأزهار في الليل والنهار في الأدب» و»أخبار أبي نواس» و»صفوة الصفوة» و»مفردات ابن البيطار» و»فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولى الألباب»، و»تهذيب الخواص من درة الغواص للحريري»، وغيرها.
«لسان العرب»
ومن أشهر أعماله وأكبرها كتابه «لسان العرب»، الذي طير شهرته في الآفاق فهو عمدة في علم اللغة وأشمل معاجم العربية، حيث جمع فيه أمَّات كتب اللغة، ونهج فيه نهجاً جديداً، باعتماد الترتيب الهجائي للحروف، بانياً أبوابه على الحرف الأخير من الكلمة، وأول أبوابه ما ينتهي بالهمزة.
ويُعد لسان العرب معجماً موسوعياً، إذ يقع في عشرين جزءاً كبيراً، ويتسم بغزارة المادة وبلغ عدد المواد اللغوية به ثمانين ألف مادة، واستشهد فيه بكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وأبيات الشعر، التي وصلت إلى قرابة اثنين وثلاثين ألف بيت، موزعة بين عصور الرواية الشعرية. كما حرص فيه على تفسير الحروف المقطعة في أول سور القرآن الكريم، وأورد ألقاب حروف المعجم وطبائعها وخواصها، وآراء اللغويين والنحويين وغير ذلك من الأخبار والآثار، مما يعكس كثيراً من مظاهر حياة اللغة العربية وحياة المجتمع العربي، على نحو يجعله مفيداً لا في المجال المعجمي اللغوي فقط، بل وفي مجالات علمية أخرى كثيرة.
اندحار الصليبيين
شهد ابن منظور اندحار الصليبيين وخروجهم نهائياً من بلاد الشام ومصر بعد أن عاثوا فيها فساداً وتدميراً على مدى قرنين من الزمن، وشهد كذلك انحسار الغزو المغولي الذي اجتاح دار الخلافة ببغداد سنة 656 هـ، واجتاح بلاد الشام في موجة عاتية من القتل والتدمير جاءت في إثر ما تركه الصليبيون من حرب ودمار. وذكر السيوطي دقائق الفترة التاريخية التي عاشها ابن منظور، والظروف التي دفعته لوضع مصنفاته ومنها «لسان العرب»، إذ أورد ما قاله ابن منظور: «فجمعت هذا الكتاب في زمن، أهله بغير لغته يفخرون، وصنعته، كما صنع نوح الفلك وقومه منه يسخرون، وسميته لسان العرب». وأصيب ابن منظور -رحمه الله- بالعمى في آخر عمره، ولقي ربه بعد حياة علمية حافلة بمصر في شعبان سنة 711 هـ .