ابن سيده
من أئمة اللغة العربية وعلومها وآدابها، وأحد من يضرب بذكائه المثل في تصنيف المعاجم العربية وصناعتها.
ويقول الدكتور محمد داود- أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة قناة السويس والخبير بمجمع اللغة العربية- ولد أبو الحسن علي بن إسماعيل، اللغوي الأندلسي المُرْسيّ نسبة إلى مرسية وهي مدينة في شرق الأندلس، في سنة 398هـ/1007م، واختلف المؤرخون في اسم أبيه، غير أن الأرجح هو إسماعيل، وكنيته “ابن سيده” وإن كانت المصادر وكتب التراجم لم تذكر سبب كنيته تلك. ونشأ ابن سيده في بيت علم ولغة، حيث كان أبوه من النحاة ومن أهل المعرفة والذكاء، وبالرغم من أن أبيه كان ضريراً، فإنه تعهد ابنه الضرير أيضاً بالرعاية والتعليم، وصقله صغيرا وشبعه بحب اللغة وعلومها، وقد وهب الله له ذاكرة حافظة قوية وذهنا متوقدا وذكاء حادا. وذكر أبو عمر الطلمنكي أنه عندما دخل مدينة مرسية سأله أهلها أن يسمعوا منه كتب “الغريب المصنف” لمؤلفه أبي عبيد القاسم بن سلام، فطلب أن يحضروا من يقرأه، فجاؤوا برجل أعمى يقال له ابن سيده فقرأه عليه كله من حفظه وهو ممسك بالأصل، فتعجب من حفظه”.
من حذاق المنطق
ونبغ ابن سيده في علوم اللغة العربية وآدابها ومفرداتها والعلوم العقلية والكلام، وأشاد به العلماء، وقال عنه الحميدي: “كان إماماً في العربية حافظاً للغة، وله في الشعر حظ وتصرف”، ووصفه القاضي الجياني، فقال: “لم يكن في زمنه أعلم منه بالنحو واللغة والأشعار وأيام العرب وما يتعلق بعلومها، وكان حافظاً، متوفراً على علوم الحكمة، وألف فيها تأليفات كثيرة”، وقد ذكر صاعد اللغوي أنه: “كان من حذاق المنطق”، وقال فيه ابن قاضي شهبة: “ومن وقف على خطبة كتابه المحكم علم أنه من أرباب العلوم العقلية، وكتب خطبة كتاب في اللغة إنما تصلح أن تكون خطبة لكتاب الشفاء لابن سينا”. وخلف ابن سيده مصنفات كثيرة في أنواع العلوم وخاصة اللغة العربية وعلومها والشعر منها “شرح إصلاح المنطق”، و”الأنيق في شرح الحماسة”، و”شرح ما أُشكل من شعر المتنبي”، و”العلام في اللغة على الأجناس” و”العالم والمتعلم”، و”الوافي في علم أحكام القوافي”، و”شاذ اللغة”، ويقع في خمسة مجلدات، و”العويص في شرح إصلاح المنطق”، و”شرح كتاب الأخفش”. غير أن أغلبها فقد ولم يصلنا إلا ثلاثة منها فقط هي “المخصص”، و”المشكل من شعر المتنبي”، و”المحكم والمحيط الأعظم”، وهذه الكتب هي التي طيرت شهرته في البلاد وأنزلته بين صانعي المعاجم العربية منزلة شامخة رفيعة، باعتباره واحداً من صناعها العظام.
“المحكم والمحيط الأعظم”
يعد كتابه “المحكم والمحيط الأعظم” من أجل المعاجم العربية، فقد ألفه في دولة علي بن مجاهد العامري على غرار ترتيب الخليل في معجمه “العين”، وقد زاد فيه التعرض لاشتقاقات الكلم وتصاريفها فجاء من أحسن المعاجم. كما عمد إلى جمع ما تشتت من المواد اللغوية في الكتب والرسائل، وتصحيح ما ورد فيها من أخطاء، وربط اللغة بالقرآن والحديث، مع العناية بالتنظيم والاختصار في ترتيب المواد، وتحاشي التكرار. وقال ابن منظور عن كتابه “المحكم”: “ولم أجد في كتب اللغة أجمل من تهذيب اللغة للأزهري، ولا أكمل من المحكم لابن سيده وما عداهما ثنيات الطريق”. كما يعتبر مصنفه “المخصص” أضخم المعاجم العربية التي تعنى بجمع ألفاظ اللغة وتكوينها حسب معانيها لا تبعاً لحروفها الهجائية، ويقع في سبعة عشر جزءاً، فلم يكن الغرض من تأليفها جمع اللغة واستيعاب مفرداتها شأن المعاجم الأخرى، وإنما كان الهدف هو تصنيف الألفاظ داخل مجموعات وفق معانيها المتشابهة، بحيث تنضوي تحت موضوع واحد، مثل خلق الإنسان والنساء واللباس والطعام والأمراض والسلاح والخيل والإبل والغنم والوحوش والحشرات والطير والسماء والفلك. وحرص فيه على شرح الألفاظ ببيان الفروق بين الألفاظ والمترادفات وتفسيرها بوضوح، مع الإكثار من الشواهد، وذكر العلماء الذين استقى منهم مادته. وتوفي ابن سيده- رحمه الله- في دانية بالأندلس سنة 458 هـ.
تاريخ وسيرة
عقب وفاة والده النحوي الضرير، الذي درس عليه في بداية حياته وروى عنه، عكف على دراسة علوم اللغة العربية وأيام العرب، وتلقى علومها على يد شيخه صاعد بن الحسن اللغوي البغدادي، وقرأ على أبي عمر الطلمنكي وكان لغوياً مفسراً محدثاً، واشتغل بنظم الشعر مدة، وتعلم علوم الحكمة والمنطق والكلام، ولازم الأمير أبي الجيش مجاهد العامري صاحب دانية شرق الأندلس، وكان محباً للعلم مكرماً لأهله، وخلال إقامته عنده ألف أعظم مصنفاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
شكراً لزيارتك وقراءتك وتعليقك وأرجو أن أراك مرة أخرى