بحث هذه المدونة الإلكترونية

الصفحات

الخميس، 13 نوفمبر 2014

ابن عطية إمام الأندلس في العلوم الشرعية واللغوية

ابن عطية إمام الأندلس في العلوم الشرعية واللغوية

كان الإمام ابن عطية فقيها قاضيا، ونابغة عصره في العلوم الشرعية واللغة والأدب والتاريخ، والتنوع المعرفي والعلمي، وعده العلماء من أجل من صنف في علم التفسير.

ويقول الدكتور محمد عثمان الخشت - أستاذ فلسفة الأديان بجامعة القاهرة: ولد أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية المحاربي الأندلسي، الملقب بـ «أبي عطية الأندلسي» بغرناطة في سنة 481 هـ / 1088م، ونشأ في بيت علم وفضل ومكانة، وتلقى دروسه الأولى في علوم العربية والفقه والأصول والتفسير والقراءات والحديث والكلام على والده العالم الورع القاضي غالب بن عبد الرحمن، وأخذ عن مشاهير علماء غرناطة ومنهم الفقيه أبو محمد بن غالب القيرواني، وأبو علي الغساني، ومحمد بن الفرج مولى الطلائع، والفقيه عبد الرحمن الشعبي، والفقيه أبو بكر عبد الباقي بن بريال الحجاري، والقاضي أبو عبد الله بن حمدين القرطبي.

وارتحل إلى قرطبة واشبيلية لمواصلة طلب العلم، ومكث بمرسية وبلنسية زمنا، لكنه لم يرحل إلى المشرق بسبب كثرة خروجه للجهاد لصد الهجمات الصليبية العدوانية التي كانت تتعرض لها الأندلس أيام دولة المرابطين التي كانت تعرف بدولة الفقهاء، ولم يلبث أن عاد إلى مسقط رأسه بعد أن تبحر في العلم جامعا معارف واسعة متعمقاً في العلوم الشرعية وعلى دراية عظيمة بها ولم يقتصر على نوع واحد منها، بل برع في القراءات، والفقه، واللغة، والأدب، فاتجهت إليه الأنظار، والتف حوله طلاب العلم، وجلس للتدريس وتعليم النحو وعلوم القرآن، وتتلمذ عليه عدد كبير من النجباء منهم ابنه حمزة، وعبد المنعم بن الخزرجي المعروف بـ «ابن الفرس» صاحب كتاب «أحكام القران»، ومحمد بن طفيل القيسي صاحب رسالة «حي بن يقظان».





وكان ابن عطية مالكي المذهب، إلا أنه لم يكن متعصباً لمالكيته، بل كان يتحرى الحقيقة ويقف عندها، ولو خالفت ما هو عليه، ويقف مع الدليل، وإن كان لا يوافق ما يميل إليه، وعرف بغزارة علمه وسعة أفقه ولفضله وورعه اسند إليه القضاء على عهد المرابطين. وأثنى العلماء عليه وشهد له معاصروه بالسبق والتقدم في الفقه وعلوم القرآن والتفسير. وقال عنه أبو حيان: «هو أجل من صنف في علم التفسير وأفضل من تصدر للتنقيح فيه».

وخلف ابن عطية أثاراً علمية قيمة أهمها كتابه «المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» الذي أجمع أهل العلم على أنه غاية في الصحة والدقة والتحرير، وقال عنه ابن تيمية: «تفسير ابن عطية خير من تفسير الزمخشري، وأصح نقلاً وبحثاً، وأبعد عن البدع، وإن اشتمل على بعضها، بل هو خير منه بكثير، بل لعله أرجح هذه التفاسير، لكن تفسير ابن جرير أصح من هذه كلها»، وقال عنه ابن خلدون: «فلما رجع الناس إلى التحقيق والتمحيص، وجاء أبو محمد بن عطية من المتأخرين بالمغرب لخص تلك التفاسير كلها وتحرى ما هو أقرب إلى الصحة منها، ووضح ذلك في كتاب متداول بين أهل المغرب والأندلس حسن المنحى».

وترك تفسير ابن عطية أثراً كبيراً في التفاسير التي جاءت بعده، خاصة المدرسة المغربية، وظهر هذا الأثر واضحاً في تفسير «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي، كذلك في «البحر المحيط» لأبي حيان الأندلسي.

واجتهد ابن عطية في جمع مادة تفسيره من كتب التفاسير التي تقدمته، وتحرى أن يودع فيه كل ما هو أقرب إلى الصحة وألصق بالسنة، فأحسن فيه وأجاد، وأبدع فيه وأفاد، فجاء تفسيراً جامعاً لكل شيء من دون أن يطغى فيه جانب على جانب، وامتازت عبارته بالسلاسة والسهولة، وابتعد فيه عن كل غموض وتعقيد، ويعود إليه الفضل في وضع منهج كامل في التفسير، حدد فيه للمفسرين من بعده الطريقة المثلى في التفسير، إذ جعل من التفسير علماً واضح المعالم، يستند إلى قواعد ومبادئ قائمة على الدقة والاستقصاء والترتيب. كما حدد الشروط التي يجب توفرها في المفسر وأهمها حسن الإعداد العلمي، والتزود من العلوم كلها، والعلم والدراية بالتفاسير التي تقدمته، واستيعاب علم القراءات، واللغة، والنحو، والحديث، وكل ما يحتاج إليه المفسر من علوم.

تفسير القرآن بالقرآن

يتضح من تفسير ابن عطية أنه لم يكن ناقلاً لأقوال من سبقه وجامعاً لها فحسب، بل كان مع ذلك ناقداً ومناقشاً لما ينقل، وحرص على قبول الأقوال التي تتفق مع الأصول الشرعية. وكان يميل إلى تفسير القرآن بالقرآن، ولهذا عد تفسيره من كتب التفسير بالمأثور، حيث كان يعتمد على المأثور من أحاديث الرسول، أو أقوال الصحابة والتابعين، ويختار منها ما بدا له أنه الأصح والأوفق لمقتضى الشرع ومقاصده. كما اهتم في تفسيره بذكر القراءات القرآنية ما صح منها وما شذ، وظهر تمكنه في تجنب ذكر الإسرائيليات، وانتقاده من سبقه من المفسرين لذكرهم إياها. وظل تفسيره حبيساً في المخطوطات قرابة ألف عام، إلى أن قام بعض العلماء بتحقيقه والتعليق عليه وطباعته في مختلف أقطار العالم الإسلامي. وتوفي - رحمه الله - في سنة 546 هـ.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شكراً لزيارتك وقراءتك وتعليقك وأرجو أن أراك مرة أخرى