النظرية البنائية
1- نشأة النظرية البنائية :
شهد المجال التربوي في أواخر القرن الماضي تطوراً كبيراً في التربية العلمية نتج عنه تحول كبير في البناء المعرفي لدى المتعلم حيث يذكر الخليلي (1995م : 255) أنه في العشرين سنة الماضية شهد البحث التربوي تحولاً من التركيز على العوامل الخارجية التي تؤثر في التعلم مثل متغيرات المعلم (شخصيته ، حماسة ، تعزيزه) المدرسة، المنهج ، إلى العوامل الداخلية أي ما يجري بداخل عقل المتعلم مثل معرفته السابقة ، المفاهيم السابقة الخطأ ، دافعيته للتعلم ، أنماط تفكيره ، أي الانتقال من التعلم السطحي إلى التعلم ذي المعنى وقد واكب ذلك التحول ظهور ما يسمى بالنظرية المعرفية مثل النظرية البنائية وإحلالها محل النظرية السلوكية .
ونظراً للاهتمام المتزايد في عمليات التعليم والتعلم ، فقد ظهرت العديد من النظريات التي اهتمت بالتعليم وبتفسير آلية التعلم والنمو المعرفي ، وقد صنفت هذه النظريات في صنفين حددتهما فايزة الكيلاني ( 2001م : 2- 3 ) في التالي : الأول ويضم تلك النظريات التي اهتمت بدراسة السلوك الظاهري للمتعلم ، وتعرف بالنظريات السلوكية ، والتي يرى أنصارها أن العملية التعليمية تحدث نتيجة مؤثرات خارجية تؤدي إلى استجابات من قبل المتعلم ، والتعلم بالنسبة لهذه النظريات هو تعديل في سلوك الفرد ، أي أن هذه النظريات تهتم بالسلوك الظاهري للمتعلم ، ولا تهتم بما يحدث داخل عقل المتعلم . ومن هذه النظريات نظرية سكنر، وبافلوف، وثورندارك، ونظرية جانييه . أما الصنف الثاني من النظريات ، فهو الذي يضم تلك النظريات التي اهتمت بدراسة العمليات العقلية التي تحدث داخل عقل المتعلم ، وتعرف بالنظريات المعرفية، فقد اهتمت هذه النظريات بالبنية المعرفية للفرد ، ولم تركز على سلوكه الظاهري . ومن أهم هذه النظريات النظرية البنائية ، والتي عرفت التعلم بأنه عملية نشطة لبناء المعرفة ، وهو عملية بحث يقوم فيها المتعلم على إيجاد علاقة بين الجديد الذي صادفه وبين ما كان لديه من مفاهيم. وملخص هذه النظرية كما ذكر زيتون وزيتون ( 1992م : 48 ) أن عملية اكتساب المعرفة تعد عملية بنائية تتم من خلال تعديل المنظومات أو التراكيب المعرفية للفرد ، من خلال آليات عملية التنظيم الذاتي ( التمثل والمواءمة ) وتستهدف تكيفه مع الضغوط المعرفية .
وتهتم النظرية البنائية بالإجابة عن السؤال الآتي : كيف تكتسب المعرفة ؟
هذا السؤال شغل عقول الكثيرين من الفلاسفة والعلماء لمدة تزيد عن (2000) سنة ، ويعود السبب في ذلك كما تذكر أمة الكريم أبو زيد (2003م : 25) إلى أن هذا السؤال على درجة من الصعوبة، بحيث أن النظريات المتعاقبة في اكتساب المعرفة لم تكن قابلة للتحقق من خلال الاختبارات العلمية، فقد اهتم العديد من الفلاسفة بهذا السؤال بشكل تقليدي .
وظهرت عدة فلسفات تتعلق بموضوع المعرفة ، مثل : الفلسفة العقلية، والتجريبية (الحسية) ، والنقدية ، والبنائية وغيرها أوردها زيتون وزيتون ( 1992م : 10-11) كالتالي :
فأصحاب الفلسفة العقلية يرون أن العقل بما فُطر عليه من استعدادات أولية ومبادئ قبلية يعتبر الوسيلة الوحيدة للمعرفة اليقينية ، ويقول ديكارت (Decartes) أن العقل هو مصدر الإحساس اليقيني .
أما أصحاب الفلسفة التجريبية ( الحسية ) فيرون أن الوصول إلى المعرفة يتم عن طريق الحواس ، وأن كل معرفة إنما ترجع إلى التجربة الحسية ، ويرى جون لوك (John Locke) أن العقل يولد كصفحة بيضاء والتجارب الحسية هي التي تخط عليـه ( سطور المعرفة ) .
ويذهب أصحاب المذهب النقدي – من أمثال كنت (Kant) إلى أن العقل والحس مجتمعين هما مصدر المعرفة .
وقد نشأت النظرية البنائية منذ فترة ليست بالقصيرة، حيث يذكر زيتون وزيتون (1992م : 15-17) إن لها جذور عميقة في الماضي، حيث إن أفكار النظرية البنائية لم تبدأ من فراغ أو من نقطة الصفر، فهي ليس نبتاً نما فجأة في مجال المعرفة، ولكنها وإن كانت جديدة إلا أن مقاطعها ليست غريبة على الآذان، فقد قام مؤلفون بإعادة تجميعها وتنسيقها وبنائها في صيغة جديدة أمثال : فيكو Vico، وجـون ديوي John Dewey وجان بياجيه Jean Piaget وجلاسر سفيلد Glassersfeld، وغيرهـم.
وبرغم أن الحركة البنائية قد ظهرت في مجال تدريس العلوم مع مقالة دريفر Driver وإيسلي Easley إلا أنها كفلسفة عامة لها تاريخ طويل حيث تذكر منى عبـدالهادي وآخـرون (2005م : 359 – 360) ، فقد بدأت مع آراء الفيلسوف الإيطالي جيامبتستيا فيكو Giambattista Vico والذي يرى أن الله هو خالق العالم، وبذلك فهو أحق أن يعرفه ، وما يستطيع أن يفعله الأفراد هو أن يبنوا أفكارهم عن العالم ، وعقل الإنسان لا يعرف إلا ما يبنيه بنفسه، وبذلك تختلف الأفكار من فرد إلى آخر .
وتلا ذلك الرؤية الفلسفية التي قدمها الفيلسوف الألماني كانت Kant والتي تفترض أن الأحكام العقلية تتضمن أحكاماً تركيبية أولية سابقة على التجربة، أي أن العقل ينشئ المعرفة ، وفقاً لصور يتم تكوينها في داخله ، ثم ظهر المذهب البراجماتي على يد وليم جيمس William James وجون ديوي John Dewey والذي قدم فكرة الأداتية الوظيفية ، بمعنى أن المعرفة أداة وظيفية تستخدم في حل المشكلات التي تواجهنا في الحياة العملية .
وتلا ذلك ظهور العالم السويسري جان بياجيه Jean Piaget مؤسس علم تكوين المعرفة. وبرغم أن المنظور البنائي يرجع إلى جيامبتسيا فيكو إلا أن بياجيه يعتبر أول بنائي ؛ لأنه قال : إن المعرفة تبنى في عقل المتعلم وتتطور بنفس الطريقة التي تتطور بها البيولوجية ؛ ولذلك استخدم بعض المصطلحات البيولوجية مثل التمثل والمواءمة عند تفسيره للتعلم الإنساني .
وأخيراً قدم فون جلاسر سفيلد البنائية التي ترجع أساساً إلى بياجيه إلا أنها أعادت تعريف مفهوم المعرفة ، وذلك باعتبارها ذات وظيفة تكيفية ، وتميل إلى أن تكون نفعية ، وبذلك فالمعرفة يتم بناؤها بصورة نشطة بواسطة المتعلم ، وهي ليست اكتشافاً لواقع مستقل عن الشخص ويتم تأكيد هذه المعرفة وتأييدها بواسطة كل من العمل النظري والتطبيقي .
وتنطلق البنائية من ثلاثة مصادر تاريخية حددها تاج الدين وصبري (2000م : 67- 68) في التالي : المصدر الأول فلسفي مؤداه أن النظرية العامة للمعرفة يمكنها تزويدنا بخلفية تساعدنا في الوصول إلى نظرية تربوية نوعية ( خاصة ) وتطبيقها ، والمصدر الثاني هو انعكاس الخبرة من ذوي المهن كالأطباء والمحامين والمعلمين وغيرهم ، على هؤلاء الذين ينشدون مساعدتهم، والتعلم منهم ، أما المصدر الثالث فهو مجتمع البحث الوظيفي الذي استهدف ميلاد النظرية والتطبيق على نحو أكثر ارتباطاً وتماسكاً ، والنظرية البنائية بمعناها المعروف الآن لها جذور تاريخية قديمة تمتد إلى عهد سقراط ، لكنها تبلورت في صيغتها الحالية على ضوء نظريات وأفكار كثير من المنظرين أمثال : أوزبل ، وكيلي ، وبياجيه ، وفيجوتسكي وغيرهم .
وبإلقاء الضوء على لمحة تاريخية عن البنائية يمكن الإشارة إلى ذلك كما ذكر عبد الرزاق (2001م : 17) في التالي :
- إن مؤشرات البنائية يمكن إيجادها من خلال أعمال كل من سقراط ، وبليتو وأرسطو حيث تحدثوا جميعاً عن تكوين المعرفة .
- بعد ذلك جاء سانت أجستين Sant Augstine الذي ذكر أنه من أجل البحث عن الحقيقة على الناس البحث عن الخبرة الحسية مما آثار الكنيسة عليه في ذلك الوقت .
- وفيلسوف أكثر حداثة هو جون لوك الذي قال : " أنه لا يمكن لمعرفة أي فرد أن تجاري خبراته " .
- أما كانت Kant فأوضح أن التحليل المنطقي للأشياء ، والأفعال يؤدي إلى نمو المعرفة وأن المشاهد التي يمر بها الفرد تؤدي إلى معرفة جديدة .
- أما الفيلسوف الرئيسي واضع اللبنات الأساسية للبنائية فهو بياجيه Piaget .
ويجمل زيتون وزيتون ( 1992م : 46-47) تصور بياجيه عن التعلم المعرفي كما يلي :
التعلم المعرفي هو بالدرجة الأولى عملية تنظيم ذاتية للتراكيب المعرفية للفرد وتهدف إلى مساعدته على التكيف ، بمعنى أن الكائن الحي يسعى للتعلم من أجل التكيف مع الضغوط المعرفية الممارسة على خبرة الفرد خلال تفاعله مع معطيات العالم التجريبي، وهذه الضغوط غالباً ما تؤدي إلى حالة من الاضطراب أو التناقضات المعرفية لدى الفرد ، ومن ثم يحاول الفرد من خلال عملية التنظيم الذاتي بما تشمله من عمليتي المماثلة والمواءمة استعادة حالة التوازن المعرفي، ومن ثم تحقيق التكيف مع الضغوط المعرفية .
ونظرية بياجيه في التعلم المعرفي تمثل الملامح العامة لمنظور البنائية السيكولوجي عن المعرفة واكتسابها بها وموجز هذه النظرية " أن عملية اكتساب المعرفة تعد عملية بنائية نشطة ومستمرة تتم من خلال تعديل في المنظومات أو التراكيب المعرفية للفرد من خلال آليات عمليات التعلم الذاتي ( التمثيل والمواءمة ) وتستهدف تكيفه مع الضغوط المعرفية البيئية " .
وتعد النظرية البنائية من أهم الاتجاهات التربوية الحديثة التي تلقى رواجاً واسعاً واهتماماً متزايداً في الفكر التربوي والتدريسي المعاصر ، حيث يذكر العقيلي (2005م :260) إنها نظرية جديدة في التدريس والتعلم تقوم على فكرة التدريس من أجل الفهم ، واعتماد الطالب مركزاً للعملية التعليمية ؛ أي أن التدريس البنائي مبني على مبدأ أن الطالب متعلم نشط وإيجابي ، أما المعلم فهو مدرب وقائد لعمليات التعلم .
ويؤكد فون جلاسر سفيلد (VonGlassersfeld,1990,p102-116) أن النظرية البنائية اكتسبت اهتماماً كبيراً في السنوات الأخيرة ، واهتم منظروها بكيفية اكتساب المعرفة ومفهوم التعلم لديهم مفعم بأفكار بياجيه ، حيث يعتبره معظم منظري البنائية الذين جاءوا بعده واضع مبادئها الأساسية بمنظورها السيكولوجي حول اكتساب المعرفة.
ويرجع بزوغ البنائية وتعاظمها منذ بداية التسعينات لأسباب كثيـرة أوجزهـا رضـي (1998م : 4-5) في التالي :
1- الثورة المعلوماتية والانفجار المعرفي ساعدت على ظهور اتجاهات تربوية تدعم التركيز على المعرفة والعمليات العقلية .
2- نتائج البحوث التربوية المرتبطة بالمهارات العقلية العليا والعمليات المصاحبة لعملية التعلم أعطت قوة دافعة للبنائية .
3- علم النفس المعرفي والتطورات الحادثة فيه، خاصة ما قدمه العالم السويسري بياجيه ، حيث أدت إلى تطبيقات تربوية تستند إلى جذور معرفية وسيكولوجية.
4- ثورة الحاسوب في مقدرته على محاكاة العقل البشري وتطور الإدراك المعرفي الذي ساعد في إعطاء تصورات حول كيفية تعامل الفرد مع المعلومات واستخدامها.
5- التطورات في تقنية الحاسوب ، ساعدت في إنتاج برامج متقدمة تمكن المتعلم من فحص واستقصاء قاعدة ضخمة من البيانات وحل المشكلات ، ومن جهة أخرى قدمت للمنظرين الأدوات اللازمة لتصميم النظم التعليمية البديلة .
وقد ظهر اهتمام كبير منذ نهاية الثمانينات لتجريب العديد من الطرق غير التقليدية في علميتي التدريس والتعلم، وقد انبثقت بعض هذه الطرق من النظرية البنائية التي يشتق منها عدة نماذج تدريسية متنوعة ومفيدة ولها قيمة كبيرة في عملية التعليم والتعلم ، حيث تؤكد ذلك سلطانة الفالح (2003م : 85) التي ترى بأن البنائية الحديثة قد ظهرت منذ أكثر من عشرين عاماً وسادت بالتدريج الأفكار البنائية وانتشرت، وأدى ذلك إلى تطبيق هذه الأفكار في مجال تدريس العلوم ، لذا تعتقد طائفة كبيرة من التربويين في عالمنا المعاصر في فكرة أن المعرفة يتم بناؤها في عقل المتعلم بواسطة المتعلم ذاته. حيث تمثل هذه الفكرة محور الفلسفة أو النظرية البنائية، في حين يرى صادق ( 2003م : 155) أن النظرية البنائية ظهرت كنظرية بارزة للتعلم في العقد الماضي نتيجة لأعمال ديوي وبياجيه وبرونر وفيجوتسكي ، والذين قدموا سوابق تاريخية للنظرية البنائية والتي تثمل نموذج للانتقال من التربية التي تستند على النظرية السلوكية إلى التربية التي تستند على النظرية المعرفية .
وقد ظهرت البنائية الحديثة حديثاً في أواخر القرن الماضي حيث تؤكد ذلـك منى سعـودي ( 1998م : 779 ، 784 ) بقولها " أن البنائية الحديثة قد ظهرت منذ أكثر من عشرين سنة على يد مجموعة من الباحثين أمثال: أرنست فون، جلاسر سفيلد ، ليس ستيف ، نيلسون جودمان ، وبالتدريج سادت الأفكار البنائية وانتشرت إلى أن تم تعديل للنموذج البنائي في صورته الحديثة القائم على الفلسفة الحديثة بواسطة سوزان لوك هورسلي 1990م ، وتعتبر الفلسفة البنائية من الفلسفات الحديثة التي يشتق منها عدة طرق تدريسية متنوعة ، وتقوم عليها عدة نماذج تعليمية متنوعة ، وتهتم الفلسفة البنائية بنمط بناء المعرفة وخطوات اكتسابها " .
والنظرية البنائية مشتقة من كل من نظرية بياجيه ( البنائية المعرفية ) ونظرية فيجوتسكي (البنائية الاجتماعية) وبذلك فالتعليم ينحصر في رؤيتين ذكرتهما سحر عبد الكريم (2000م :205) في التالي :
1- رؤية بياجيه التي تشير إلى أن التعليم يتحدد في ضوء ما يحصل عليه المتعلم من نتائج منسوبة لدرجة الفهم العلمي .
2- رؤية فيجوتسكي التي تشير إلى أن التعلم يتحدد في ضوء سياق اجتماعي يتطلب درجة من التمهن في معلم مادة العلوم .
والنظرية البنائية تستند على فكرة أن هناك دافع إنساني يقود الفرد لفهم العالم، بدلاً من استقبال المعرفة بشكل سلبي، وهذا ما يؤكده صادق ( 2003م : 156) حيث يرى أن المعرفـة تبنى بنشاط المتعلمين بواسطة تكامل المعلومات والخبرات الجديدة مع فهمهـم السابـق ( المعلومات السابقة )، في حين يرى الوهر ( 2002م : 96) أن النظرية البنائية تنظر إلى التعلم بأنه عملية بناء مستمرة ونشطة وغرضية ، أي أنها تقوم على اختراع المتعلم لتراكيب معرفية جديدة أو إعادة بناء تراكيبه أو منظومته المعرفية اعتماداً على نظرته إلى العالم ، والتعليم ليس عملية تراكمية للمعرفة، بل عملية إبداع تحدث تغييرات ثورية في التراكيب المعرفية الموجودة لدى المتعلم .
وتعتبر البحوث التي أجراها جان بياجيه في نمو المعرفة هي التي وضعت الأساس للنظرية البنائية، حيث وضع بياجيه نظرية متكاملة ومنفردة حول النمو المعرفي، ولهذه النظرية شقان حددهما مكسيموس ( 2003م : 50 ) في التالي :
الشق الأول يختص بافتراضات بياجيه عن العمليات المنطقية وبتصنيفه لمراحل النمو العقلي للطفل بناء على تلك العمليات إلى أربع مراحل أساسية ، والشق الثاني يختص بمسألة بناء المعرفة وأوضح فيه بياجيه مبدأ بنائية المعرفة بمعنى أن الفرد يبني معرفته بنفسه وليس وعاء فارغاً تسكب فيه المعرفة حسب الإرادة .
والمذهب الرئيس في النظرية البنائية يشير إليه زيتون ( 1998م : 84) في أنه يتمثل في استخدام الأفكار التي تستحوذ على لب المتعلم لتكوين خبرات جديدة ، والتوصل لمعلومات جديدة ، ويحدث التعلم حين تعدل الأفكار التي بحوزة المتعلم ، أو تضاف إليه معلومات جديدة ، أو بإعادة تنظيم ما هو موجود من أفكار لديه ، أي أن التركيز في التفكير البنائي يشمل كل من البيئة والعمليات التي تتم داخل المتعلم ، وذلك في إطار يمثل كلا من السياق المجتمعي والتفاعلات الاجتماعية .
ويمثل الفكر البنائي توليفاً أو تزاوجاً بين ثلاثة مجالات أشار إليها زيتون (2002م : 212 ) هي : علم النفس المعرفي ، وعلم النفس النمو ، والأنثروبولوجيا، فقد أسهم المجال الأول بفكرة أن العقل يكون نشطاً في بناء تفسيراته للمعرفة ويكوّن استدلالته منها ، كما أسهم المجال الثاني بفكرة تباين تركيبات الفرد في مقدرته على التنبؤ تبعاً لنموه المعرفي ، أما المجال الثالث فقد أسهم بفكرة أن التعلم يحدث بصورة طبيعية باعتباره عملية ثقافية مجتمعية يدخل فيها الأفراد (كممارسين اجتماعين) إذ يعملون سوياً لإنجاز مهام ذات معنى ويحلون مشكلاتهم بصورة ذات مغزى .
وقد حدد كل من المومني ( 2002م : 23-24) ، الخوالدة ( 2003م : 13) ثلاثة أدوار مميزة للبنائية نقلاً عن فيلبس (Philiphs, 1995) هي :
1- المتعلم الفعال The active learner ، إذ تنادي البنائية بأن المعرفة والفهم يكتسبان بنشاط ، حيث يناقش المتعلم ، ويحاور ، ويضع فرضيات ويستقصي ، ويأخذ وجهات النظر المختلفة بدلاً من أن يسمع ويقرأ ويقوم بالأعمال الروتينية.
2- المتعلم الاجتماعي The social learner ، حيث تنادي البنائية بأن المعرفة والفهم يبنيان اجتماعياً، فالمتعلم لا يبدأ ببناء المعرفة بشكل فردي، وإنما بشكل اجتماعي بطريق الحوار مع الآخرين .
3- المتعلم المبدع The creative learner، حيث تنادي البنائية بأن المعرفة والفهم يبتدعان ابتداعا : فالمتعلمون يحتاجون لأن يبتدعوا المعرفة بأنفسهم ، ولا يكفي افتراض دورهم النشط فقط .
ومن هنا نشأت البنائية وأصبح هناك اهتمام واسع بالتعلم البنائي، حيث تؤكد العديد من الدراسات في تدريس العلوم على النظرية البنائية ونماذجها التدريسية، ومن هذه الدراسات الدراسات العربية مثل : دراسة أمة الكريم ( 2003م )، ودراسة الخوالدة (2003م ) ودراسـة السليم ( 2004م ) ، والأجنبيـة مثـل دراسة لورد Lord (1999) ، ودراسة رذرفورد Ruther ford (1999) وغيرها .
2- مفهوم النظرية البنائية وجذورها :
حدد المعجم الدولي للتربية مصطلح البنائية Constructivism وفق ما أشار إليه زيتون وزيتون ( 1992م ) بالتعريف التالي : " رؤية في نظرية التعلم ونمو الطفل قوامها أن الطفل يكون نشطاً في بناء أنماط التفكير لديه ، نتيجة تفاعل قدراته الفطرية مع الخبرة " ص1 .
كما حدد معجم علوم التربية الفارابي وآخرون ( 1994م ) التعريف التالي للبنائية : "صفة تطلق على كل النظريات والتصورات التي تنطلق في تفسيرها للتعلم من مبدأ التفاعل بين الذات والمحيط من خلال العلاقة التبادلية بين الذات العارفة وموضوع المعرفة " ص52 .
وتشير كلمة بنائية كما يذكر زيتون ( 2003م : 15 ) إلى عملية بناء المعرفة من الخبرة، ويعتبرها العلماء والفلاسفة وعلماء الاجتماع وعلماء علم النفس ، الكيفية التي نتعرف بها على العالم من حولنا ، فالعلماء يسعون وراء حقائق موضوعية بشكل مستقل ومتحرر عن الضغوط الاجتماعية ، ويتوصلون لنتائج ، ثم يعيدون تجاربهم ، ليقضوا على الشك الذي قد يعتريهم بشأن تلك النتائج.
كما عرفها الميهي (2003م) بأنها : " الإجراءات التي تمكن الطالب من القيام بالعديد من المناشط التعليمية أثناء تعليمه للعلوم ، وتؤكد على مشاركته الفعلية في تلك المناشط، بحيث يستنتج المعرفة بنفسه ، ويحدث عنده التعلم القائم عن الفهم وبمستويات متقدمة تؤدي إلى إعادة تنظيم البنية المعرفية للطالب وما فيها من معلومات " ص15 .
أما عن تعريف البنائية من قبل البنائيين أو منظري البنائية فلم يتم وضع تعريف محدد لها ، حيث أشار كثير من الباحثين إلى أن البنائية يمكن أن يكون لها معانٍ مختلفة لأشخاص مختلفين ، ولكن على سبيل المثال فقد أورد عبد الرزاق (2001م :18) التعريفات التالية :
- عرف فون جلاسرفيلد ( Von Glasserfeld,1988 ) وهو من أكبر منظري البنائية المعاصرين وأبرزهم – حيث يرى أن البنائية " عبارة عن نظرية معرفية تركز على دور المتعلم في البناء الشخصي المعرفي " أي تؤكد على أن المعرفة لا يتم استقبالها بشكل سلبي، بل تبنى بشكل فعال .
أما كروثر ( Crowther,1993 ) فذكر " أنه عندما يمر الأفراد بخبرة جديدة فإنهم يلائمونها لذواتهم من خلال خبرة أو معرفة سابقة تعرضوا لها " .
وقد أورد الخليلي ( 1995م : 256 ) تعريف واتزلويك( Watzlawik ) الذي يعتبر أحد منظري البنائية المعاصرين أن البنائية تعرف بأنها " ذلك الموقف الفلسفي الذي يزعم أن ما تدعى بالحقيقة ما هي إلا بناء عقلي عند الذين يعتقدون أنهم تقصوها واكتشفوها . وبتعبير آخر فإن الذي يصلون إليه ويسمونه حقيقة ما هو إلا ابتداع يتم من قبلهم دون وعي بأنهم هم الذين ابتدعوه اعتقاداً منهم بأنه موجود بشكل مستقل عنهم وتصبح هذه الابتداعات ( التصورات الذهنية ) هي أساس نظرتهم إلى العالم من حولهم وتصرفاتهم إزاءه " .
كما أشارت ملاك السليم ( 2004م : 698 ) إلى تعريف كانيلا Cannela,1994)) للبنائية وهو : " علم المعرفة أو نظرية التعلم المعرفي التي تقدم شرحاً لطبيعة المعرفة وكيفية تعلمها، والتي تؤكد أن الأفراد يبنون فهمهم أو معرفتهم الجديدة من خلال التفاعل بين معرفتهم السابقة وبين الأفكار والأحداث والمناشط التي هم بصدد تعلمها " .
وأورد اللزام ( 2002م : 18 ) تعريف سيجل ( Sigle ) أحد المنظرين الأوائل للبنائية " تشير البنائية إلى عملية البناء المعرفي التي تمت من خلال تفاعل الفرد مع ما حوله من أشياء وأشخاص ، وفي أثناء هذه العملية يبين الفرد مفاهيم معينة عن طبيعته، وهذا بالتالي يوجه سلوكياته مع كل ما يحيط به من أشياء وأشخاص وأحداث ".
كما أشار المومني ( 2002م : 23 ) إلى تعريف لورسباك وتوبن ( Lorsbak and Tobin, 1992) للبنائية بأنها " نظرية معرفة استخدمت لشرح عملية " كيف نعرف ما نعرف " كما أورد إبراهيم ( 2004م : 362 ) تعريف بلوم وبورل (Bloom and Burrell,1999) للبنائية بأنها "عملية استقبال تحوي إعادة بناء المتعلمين لمعاني جديدة داخل سياق معرفتهم الآنية مع خبرتهم السابقة وبيئة التعلم".
ويمكن إيراد تعاريف أخرى للبنائية من أهمها تعريف ساندرز وتعريف ويتلي وهما :
عرف ساندرز ( Saunder,1992,136-140 ) البنائية على " أنها فكرة تتضمن أن أي شيء يقال له ( الحقيقة ) ما هي إلا تراكيب عقلية من قبل أولئك الذين يؤمنون أنه اكتشفوها وتفحصوها " .
أما ويتلي ( Wheatly,1991,9-21 ) فقد عرف البنائية بأنها " نظرية التعلم الذي يعني التكيفات الحادثة في المنظومات المعرفية الوظيفية للفرد من أجل معادلة التناقضات الناشئة من تفاعله مع معطيات العالم التجريبي " .
ومن خلال استعراض تعريفات البنائية السابقة نجد أن منظري البنائية لم يتفقوا على تعريف محدد لها ، وقد يعود سبب ذلك كما أشار إلى ذلـك زيتـون وزيتـون (2003م : 18 – 19 ) ، منى عبد الهادي وآخرون ( 2005م : 358-359) للأسباب التالية :
أ- لفظ البنائية وإن كان له تاريخ طويل في مجال الفلسفة باعتباره أحد النظريات التي تتناول المعرفة إلا أنه جديد في الكتابة التربوية .
ب- تدخل البنائية في العديد من مجالات الدراسة ، منها التعلم ، والتدريس وتكنولوجيا التعليم ، وإعداد المعلم والتوجيه والإرشاد النفسي ، وغيره من الدراسات.
ج- منظرو وأنصار البنائية ليسوا مجموعة واحدة ولكنهم عدة مجموعات ، كل منهم يعتقد أنه أصلح من الآخر .
د- البنائية لها جانبان أحدهما فلسفي والآخر سيكولوجي ، ولكل منهما أنصاره وتعريفاته المتعددة .
هـ- أنصار البنائية قصدوا ألا يعرفوها وتركوا الأمر لكل واحد منا ليكون معنى محدد لها في ذهنه .
وبالنظر إلى التعاريف السابقة نجد أن تعريف فون جلاسرسفيلد أكثر التعريفات وضوحاً وبساطة ودقة لمفهوم البنائية، حيث يعكس الأساس الذي ارتكزت عليه النظرية، حيث يؤكد على إيجابية المتعلم وبناؤه المعرفة بذاته ولا غرابة في ذلك، حيث يعد جلاسرسفيليد Glassersfeld كما يذكر زيتون وزيتون ( 1992م : 17 ، 69 ) أعظم منظري البنائية المعاصرين ، وهو واضع أسس البنائية الحديثة – بنائية ما بعد جان بياجيه هو وزملائه الآخرين، أمثال : نيلسون جودمان ، وواتز لوك وغيرهم .
وتقوم البنائية على خمسة مفاهيم رئيسة أوردتها: نادية بكار ، ومنيرة البسام (2004م: 23–24) في التالي :
أ- المتعلم النشط : " هو الذي يقوم بدور فعال ليكتسب المعرفة ويفهمها معتمداً على ذاته؛ أي يجب أن يكون دور المتعلم إيجابياً ، فهو يطرح أسئلة ويناقش ويناظر ويفترض ويبحث بدلاً من أن يستمع ويقرأ ويعمل خلال تدريبات روتينية .
ب- المتعلم الاجتماعي : " هو الذي يبني المعرفة وسط مجموعة من الأقران فيتبادل مع أفراد مجموعته المعلومات ، والأفكار ، والمناقشات ، ويتجادل مع الآخرين حتى يصل مع أفراد مجموعته إلى حلول مع إثبات صحتها .
ج- المتعلم المبدع : " هو الذي يعيد بناء المعرفة والفهم ؛ فالمتعلم يحتاج إلى مهارات الإبداع لإعادة تكوين المعرفة ولاكتشاف المبادئ والنظريات، فتجارب المتعلمين تبين فهماً قوياً عن سبب بنية الأشياء . ولماذا الصدق التاريخي يتنوع بتنوع ميول الجماعات.
د- البيئة الصفية البنائية : " هي المكان الذي يعمل فيه المتعلمون معاً يساندون بعضهم بعضاً ويستخدمون أنواعاً مختلفة من الأدوات ومصادر المعلومات وأنشطة لحل المشكلات لتحقيق أهداف التعلم " .
هـ- التعلم البنائي : " هو ذلك النوع من التعلم الذي يبنى كل فرد معرفته عن العالم بطريقة ذاتية تعطي له معنى " .
والنظرية البنائية بمعناها المعروف الآن لها جذور تاريخية قديمة كما يشير إلى ذلك تاج الدين ، صبري ( 2000م : 68 ) حيث تمتد هذه الجذور إلى عهد سقراط ، لكنها تبلورت في صيغتها الحالية على ضوء نظريات وأفكار كثير من المنظرين أمثال : بياجيه وفيجوتسكي وأوزبل وغيرهم .
وبالنظر إلى جان بياجيه فكما يشير جـان جـاك دوكريـه Jean-Jacques Ducret ( 2001م : 187-188) فلم يكن بياجيه هو أول من وضع الفكرة البنائية، بل إن جذور البنائية يمكن تتبعها لدى الفيسلوف فيكو(Vico)، ولكن بالنظر إلى الأمر ككل من حيث الأصالة، وصفة تعدد النظم المعرفية فإن بياجيه دون شك هو المركز اللامع الذي انطلقت منه البنائية الحديثة .
وقد استمدت البنائية جذورها في تدريس العلوم لتمييزها بخاصيتين أوردهمـا الخوالـدة ( 2003م : 14) ، فايزة الكيلاني (2001م : 5 ) هما : أنها ألقت الضوء على تشكيل وإعادة بناء المناهج ما بين ( 1960م – 1970م ) ، كما أنها تعتبر طريقة للحصول على المعرفة اعتماداً على التجريب والملاحظة والاختبار ، وهي بالتالي نموذج يراعي المراحل التطورية لنمو وتطور الإدراك المعرفي للطلاب وتراعي الفروق الفردية بينهم .
وعلى الرغم من أن البنائية نظرية حديثة في التعلم المعرفي إلا أن لها جذور تاريخية قديمة أشار إليها زيتون وزيتون ( 1992م : 15-17) تمتد إلى عصر الفيلسوف الإيطالي جيامبتسا فيكو (Giambattisa Vico) الذي تحدث في أطروحته عن بناء المعرفة حيث يرى أن العقل يبني معرفته , وعقل الإنسان لا يعرف إلا ما يبينه بنفسه ، مما يؤكد أن البنائية ليست نظرية حديثة ، وإنما نظرية ذات جذور متشعبة ومتأصلة مستمدة من علوم عديدة ، حتى بدأت البنائية الحديثة على يد جان بياجيه الذي يرى معظم منظري البنائية المحدثين أنه واضع اللبنات الأولى لها حديثاً ، والذي قدم نظرية عن النمو المعرفي بشقيها ( الحقيقة المنطقية والبنائية ) وكيفية اكتساب المعرفة ، ويعتبره البنائيون مؤسس البنائية في العصر الحديث ، ثم جاء بعده مجموعة أخرى من منظري البنائية، حيث تم تعديل وبناء البنائية بثوبها الجديد وتنظيم الأفكار وتنظيمها مرة أخرى أمثال فون جلاسر سفيليد Von Glassersfeld ونيسلون جودمان Nelson Goodman ، وواتز لوك Watzlawick، ويعتبر جلاسرسفيليد أعظم منظري البنائية المعاصرين ، فهو أفضل بنائي كتب عن البنائية .
وللنظرية البنائية شقان أساسيان مترابطان أشارت إليها ملاك السليم ( 2004م : 702 – 703 ) وهي : الشق الأول الحتمية المنطقية وتدور حول العمليات المنطقية في مراحل النمو الأربعة ، والشق الثاني البنائية عند بياجيه، أي بنائية الفرد لمعرفته ، حيث يرى بياجيه أن عملية المعرفة تكمن في بناء أو إعادة بناء موضوع المعرفة ، والتعلم المعرفي عند بياجيه هو عملية تنظيم ذاتية للأبنية المعرفية للفرد بهدف مساعدته على التكيف .
3- أعمدة النظرية البنائية
تقوم النظرية البنائية على ثلاثة أعمدة رئيسية أوردها كل من: بروكز(Brooks,1990, 61-68) سانـدرز (Saunders,1992,136-140) ، الخليلـي ( 1995م : 256-258) ، رنا شهاب (2002م : 128 – 129 )، النجدي وآخرون (2003م : 304 – 305) هي :
ينص عمودها الأول على أن المعنى يبنى ذاتياً من قبل الجهاز المعرفي للمتعلم نفسه ، ولا يتم نقله من المعلم إلى المتعلم ، وهو يعني أن المعرفة تكون لها جذور في عقل المتعلم وليست كياناً مستقلاً عنه يجري نقله إلى عقله من المعلم أو في الظواهر الطبيعية . ويتشكل المعنى بداخل عقل المتعلم كنتيجة لتفاعل حواسه مع العالم الخارجي ، وليس نتيجة سرد المعلم لها . ويتأثر المعنى المتشكل (المفهوم) بالخبرات السابقة لدى المتعلم وبالسياق الذي يحصل منه التعلم الجديد ، ويستدعي ذلك تزويد المتعلم بالخبرات التي تمكنه من ربط المعلومات الجديدة بما لديه وبما يتفق مع المعنى العلمي السليم الذي يتفق عليه العلماء ، وقد نبه العديد من الباحثين إلى أن المعاني العلمية التي تتشكل لدى المتعلم لا تكون دائماً متفقة مع المعاني السليمة التي يتفق عليها العلماء وتقدمها الكتب . وتسمى مثل هذه المعاني غير المتفقة بمسميات عديدة ، ومن بين ذلك الفهم غير السليم، والفهم الخطأ ، والأطر البديلة ، والفهم الساذج ، والفهم الأولي ، ويتشبث المتعلم بمثل هذا الفهم الخاطئ للمفاهيم العلمية، وذلك لأنها تعطيه تفسيرات تبدو منطقية بالنسبة له؛ لأنها تأتي متفقة مع تصوره المعرفي الذي تشكل لديه عن العالم من حوله .
وينص عمودها الثاني على أن تشكيل المعاني عند المتعلم عملية نفسية نشطة تتطلب جهداً عقلياً ، حيث يرتاح لبقاء البناء المعرفي عنده متزناً كلما جاءت معطيات الخبرة متفقة مع ما يتوقع ، ولكنه يندهش ويقع مع حيرة أو دوامة فكرية إذا لم تتفق معطيات الخبرة مع توقعاته التي بناها على ما لديه من فهم سابق للمفاهيم العلمية ، فيصبح بناؤه المعرفي مضطرباً أو ما يسمى غير متزن ، وهنا ينشط عقله سعياً وراء إعادة الاتزان، ويتم هذا بأحد ثلاث خيارات هي :
1- إما أن ينكر خبراته الحسية الجديدة ويسحب ثقته بها مدعياً أنها تخدعه وأنها غير صحيحة، ويدعى هذا الخيار بخيار " البنية المعرفية المتوفرة أو القائمة " ، وفيه لا يحدث تعلم أي جديد ، ويبقى المتعلم على ما هو عليه .
2- وإما أن يعدل البناء المعرفي عنده بحيث يستوعب المستجدات الآتية من الخبرة الجديدة ويتواءم معها ، ويدعى هذا الخيار بخيار " إعادة تشكيل البناء المعرفي " ، وبذلك يتشكل التعلم ذو المعنى عند المتعلم أي يحدث تعلم ذو معنى .
3- وإما أن ينسحب من الموقف ولا يعبأ بفهم ما يحدث ، أو لا يهتم بما يتعرض إليه من الخبرات ولسان حاله يقول لا أعرف ولا أريد أن أعرف ، ويدعى هذا الخيار بخيار "اللامبالاة" وفيه لا يحدث تعلم وذلك لانخفاض دافعية المتعلم للتعلم ، ويتوجب على المعلم في هذه الحالة إثارة دافعية الطالب على التعلم من خلال إشراكه بالمناشط العملية المثيرة ، أو بربط موضوع الدرس بحياته وبيئته الواقعية ، أو بتقديم الشكل المناسب من أشكال الحوافز المادية والمعنوية .
أما عمودها الثالث فينص على أن البنى المعرفية المتكونة لدى المتعلم تقاوم التغيير بشكل كبير ، إذ يتمسك المتعلم بما لديه من المعرفة مع أنها قد تكون خاطئة ، ويتشبث بهذه المعرفة كثيراً؛ لأنها تقدم له تفسيرات تبدو مقنعة له فيما يتصل بمعطيات الخبرة ، ويستدعي ذلك من المعلم الاهتمام باختيار العديد من التجارب والمناشط التي تؤكد على صحة معطيات الخبرة وتبين الخطأ في الفهم إن كان ذلك موجوداً عند المتعلم .
4- منطلقات النظرية البنائية المعرفية في اكتساب المعرفة :
تقوم النظرية البنائية في تصورها للمعرفة البنائية على منطلقين أساسيين :
أولهما : يختص باكتساب المعرفة ، وثانيهما يختص بوظيفية المعرفة ( أو غرضيتها ) وصحتها، وقد أورد هذين المنطلقين باتفاق كل من : فون جلاسر سفيليد (Von Glassersefeld, 1990, 102-116) ، وويتلي (Wheatley, 1991, 9-21)، وساندرز (Sanuders ,1992, 136-140)، روى شودري (Roychoudhury,1995,1) ، الزغلول ( 2003م : 233 – 234 ) ، النمـراوي ( 2004م : 3-4)، كما يلي :
المنطلق الأول : يبني الفرد الواعي المعرفة اعتماداً على خبرته الخاصة ، ولا يستقبلها بصورة سلبية من الآخرين ، فالمتعلم يكون نشطاً وفعالاً أثناء عملية التعلم ، ويؤكد هذا المنطلق على نقاط أساسية في اكتساب المعرفة من منظور النظرية البنائية هي :
1- يبنى المتعلم المعنى ذاتياً من خلال جهازه المعرفي : لأن المعرفة تكون متأصلة في عقل المتعلم ولا تنتقل إليه من المعلم أو من الطبيعة ، فالمعنى يتشكل داخل عقل المتعلم نتيجة لتفاعل حواسه مع العالم الخارجي ، ولا يمكن أن يتشكل هذا المعنى أو هذا الفهم عنده إذا قام المعلم بسرد المعلومات له .
2- الخبرة هي المحدد الأساس لمعرفة الفرد : أي أن معرفة الفرد دالة لخبرته ، وهذا يعني أن المعرفة ذات علاقة بخبرة المتعلم وممارسته ونشاطه في التعامل مع معطيات العالم المحيط به ، ولكي يحدث التعلم يجب تزويد المتعلم بالخبرات التي تمكنه من ربط المعلومات الجديدة بما لديه من معرفة سابقة ، وتمكنه من إعادة تشكيل المعاني السابقة لديه بما يتفق مع المعاني العلمية السليمة .
3- المفاهيم والأفكار وغيرها من بنية المعرفة لا تنتقل من فرد إلى آخر بنفس معناها: بل تثير معاني مختلفة لدى كل فرد، وذلك حسب ما يوجد في البنية المعرفية لكل فرد من معارف ومعلومات، وكيفية تنظيم هذه المعارف في البنية المعرفية ، أي أن المستقبل لهذه المفاهيم والأفكار يبني لنفسه معنً خاص به .
المنطلق الثاني : إن وظيفية العملية المعرفية هي التكيف مع تنظيم العالم التجريبي وخدمته، وليس اكتشاف الحقيقة الوجودية المطلقة ، ويقصد بالعملية المعرفية العملية العقلية التي يصبح الفرد بمقتضاها واعياً بموضوع المعرفة ، وهي تشمل الإحساس والإدراك والانتباه والتذكر والربط والحكم والاستدلال ، وغيرها ، كما يقصد بالحقيقة الوجودية المطلقة حقيقة الأشياء كما هي موجودة عند الله سبحانه وتعالى .
فالنقطة الرئيسة في النظرية البنائية كما يذكر زيتون وزيتون (2003م : 32-35) هي الأفكار المسبقة التي يمكن أن يستخدمها المتعلم في فهم الخبرات والمعلومات الجديدة ، وبالتالي يحدث التعلم عندما يكون هناك تغيير في أفكار التلاميذ المسبقة ، وذلك عن طريق تزويد المتعلم بمعلومات جديدة أو إعادة تنظيم ما يعرفه بالفعل، أي إعادة تشكل بنائه المعرفي، وبذلك يحدث التعلم ذو المعنى؛ إذ يتغير البناء المعرفي السابق للمتعلم ويتخذ بناء جديداً يستوعب فيه معطيات الخبرة الحسية الجديدة أي أن عقل المتعلم يتغير، أي أن الطريقة الوحيدة التي يحدث من خلالها التعلم هي حدوث تغيرات في البنية المعرفية للمتعلم ، فعندما تكون المعلومات الجديدة متناقضة مع ما يعرفه الفرد وعندما لا تتوافق هذه المعلومات ، لا يمكن تداخلها مع البنية المعرفية، وهنا يحدث التعارض، ويمكن التخلص منه بإعادة تشكيل البنية المعرفية.
فالمتعلم يقوم ببناء أو تكوين المعنى من المعلومات الموجودة والأحداث نتيجة التفاعل بين معرفته السابقة والخبرات وملاحظاته المستمرة .
وبناء على ما سبق فإن البنائين يؤكدون على التعلم القائم على المعنى، أي التعلم القائم على الفهم ، حيث يستخدم التلميذ معلوماته ومعارفه في بناء المعرفة الجديدة التي يقتنع بها . ولذلك تشير منى شهاب ، وأمنية الجندي ( 1999م : 499 ) إلى أنه يجب تشجيع التلاميذ على بناء معارفهم بأنفسهم، وعلى المعلم مساعدتهم على أن يجعلوا أفكارهم الخاصة واضحة، ويقدم لهم أحياناً أحداثاً تتحدى هذه الأفكار ويمدهم بالفرص لاستخدام هذه الأفكار في مواقف متعددة ، ولا يقتصر دور المعلم على نقل المعرفة ، ولكن يجب أن يعمل على تنشيطها واستنباطها وتسهيل وتوجيه عملية التعلم .
وبوجه عام فإن الانتقال من التدريس وفقاً للطريقة التقليدية إلى التدريس وفقاً للطريقة البنائية يتطلب إحداث تغيير في مكونات نظام التربية العلمية، وتشمل التغيرات التالية التي أوردتها منى شهاب ، وأمنية الجندي (1999م : 449) :
جدول رقم (1) يوضح مقارنة بين الطريقة التقليدية والطريقة البنائية
الطريقة التقليدية
الطريقة البنائية
- المعرفة توجد خارج التلميذ .
- المعرفة توجد بداخل التلميذ نفسه
- محورها المعلم .
- محورها التلميذ.
- التلميذ سلبي من ناحية تلقي المعلومات.
- التلميذ إيجابي ونشط .
- أنشطة فردية .
- أنشطة تفاعلية .
- تعلم تنافسي .
- تعلم تعاوني .
- يبحث عن الإجابة الصحيحة .
- يتقبل آراء كل تلميذ " لا توجد إجابة صحيحة أو خاطئة " .
- تذكر المعرفة .
- تغير مفاهيم .
- الاعتماد على الكتاب المدرسي .
- التلميذ يبني معارفه من مصادر مختلفة.
- اختبارات تحريرية تقوم على الورقة والقلم.
- توجد بدائل مختلفة لتقويم التلاميذ .
5- افتراضات التعلم المعرفي تبعاً للنظرية البنائية :
قدم البنائيون مجموعة من الافتراضات التي تعكس ملامح البنائية بصورة تفصيلية بوصفها نظرية في التعلم المعرفي، وهذه الافتراضات أوردها كل من : ويتلي (Wheatley,1991, 9-21)، وساندرز (Saunders,1992, 136-140) ، زيتون ، زيتون ( 2003م : 96 – 106 ) ، والنجدي وآخرون (2003م: ص306)، كما يلي:
أ- التعلم عملية بنائية نشطة ومستمرة وغرضية التوجه : ويقصد بالعملية البنائية أن التعلم عملية بناء تراكيب جديدة تنظم وتفسر خبرات الفرد في ضوء معطيات العالم المحيط به. ويقصد بأن التعلم عملية نشطة : أن المتعلم يبذل جهداً عقلياً لاكتشاف المعرفة بنفسه . ويقصد بأن التعلم عملية غرضية التوجه : أن التعلم من وجهة نظر الفلسفة البنائية تعلم غرضي، يسعى خلاله الفرد لتحقيق أغراض معينة تسهم في حل مشكلة يواجهها ، أو تجيب عن أسئلة محيرة لديه، أو ترضي نزعة ذاتية داخلية لديه نحو تعلم موضوع ما ، وهذه الأغراض هي التي توجه أنشطة المتعلم وتكون بمثابة قوة الدفع الذاتي له وتجعله مثابراً في تحيق أهدافه .
ب- المعرفة القبلية للمتعلم شرط أساس لبناء التعلم ذي المعنى : حيث إن التفاعل بين معرفة المتعلم الجديدة ومعرفته القبلية تعد أحد المكونات المهمة في عملية التعلم ذي المعنى .
ج- الهدف من عملية التعلم الجوهري هي : إحداث تكيفات تتواءم مع الضغوط المعرفية الممارسة على خبرة الفرد : والمقصود بالضغوط المعرفية هي عناصر الخبرة التي يمر بها الفرد التي لا تتوافق مع توقعاته ، وتؤدي إلى حدوث حالة من الاضطراب المعرفي لدى الفرد نتيجة مروره بخبرة جديدة عليه ، وهدف التعلم في الفلسفة البنائية هو إحداث التوافق والتكيف مع هذه الضغوط المعرفية لدى المتعلم.
د- مواجهة المتعلم بمشكلة أو مهمة حقيقية تهيئ أفضل ظروف للتعلم: فالتعلم القائم على حل المشكلات يساعد التلاميذ على بناء معنى لما يتعلمونه، وينمي الثقة لديهم في قدراتهم على حل المشكلات ، فهم يعتمدون على أنفسهم ولا ينتظرون أحداً لكي يخبرهم بحل للمشكلة بصورة جاهزة ، وكذلك يشعر التلاميذ أن التعلم هو صناعة المعنى وليس مجرد حفظ معلومات عقيمة .
هـ- تتضمن عملية التعلم إعادة بناء الفرد لمعرفته من خلال عملية تفاوض اجتماعي مع الآخرين : أي أن الفرد لا يبني معرفته عن الظواهر الطبيعية للعالم المحيط به من خلال أنشطته الذاتية التي يكون من خلالها معاني خاصة بها في عقله فحسب، وإنما قد يتم من خلال مناقشة ما توصل إليه من معانٍ مع الآخرين مما يترتب عليه تعديل هذه المعاني.
6- الأهداف المعرفية تبعاً للنظرية البنائية : تتحدد الأهداف المعرفية للتعلم تبعاً للنظرية البنائية في ثلاثة أهداف أوردها كل من : إسماعيـل ( 2000م : 300 ) ، همام وسليمان ( 2001م :113 ) ، شهاب ( 2002م : 15) كما يلي :
أ- الاحتفاظ بالمعرفة . ب- فهم المعرفة .
ج- الاستخدام النشط للمعرفة ومهاراتها .
وتمثل الأهداف الثلاثة السابقة الأهداف المعرفية لأي نموذج أو طريقة تدريس قائمة على النظرية البنائية كالنموذج البنائي - مجال الدراسة - حيث ينبغي أن يسعى هذا النموذج إلى مساعدة المتعلم على تخزين أساسيات المعرفة في ذاكرته لتكوين ركيزة علمية سليمة لديه ، كما يساعده على فهم المعرفة حتى يمكن من استخدامها في فهم الظواهر المحيطة به ، وأيضاً يساعده على استخدام المعرفة في حل المشكلات التي تواجهه في مواقف الحياة .
7- مقتضيات ومتطلبات استخدام النظرية البنائية :
إن استخدام النظرية البنائية في تعلم العلوم يقتضي عوامل عـدة أوردتهـا منـى محمـد (2004م: 99) ، ومنى عبد الهادي وآخرون ( 2005م : 365-366) ، في التالي :
1- من الضروري أن يعرف المعلم كيفية بناء كل تلميذ من تلاميذه لمعرفته، وحينئذ يمكن مساعدة كل تلميذ أن يكتسب الخبرة الجديدة . ويتم ذلك بأن يقدم المعلم بعض الأسئلة الكاشفة التي توضح إن كان لديه خبرة سابقة وبنيات لها علاقة بالموضوع الجديد من عدمه .
وهذا بالضرورة يستلزم قيام المعلم بتنفيذ بعض الأسئلة الكاشفة لذلك والتي تعد بمثابة استبانة توضح له مستوى المتعلمين ومدى خبراتهم السابقة .
2- من الضروري أن يتفاعل المعلم في العملية البنائية مع كل واحد من تلاميذه على حدة لكي يرى كيف يقوم كل منهم ببناء المعرفة . ويساعد التلميذ على تشكيل المعلومة وإضفاء صفة الذاتية عليها ، وبالطريقة التي تروق لكل منهم من خلال استخدام المعلم لبعض التوجيهات البسيطة .
إن التعامل مع البنائية يستلزم الآتي :
1- ضرورة التعمق وعدم التعامل مع المفاهيم بطريقة سطحية .
2- الاتجاه إلى التفسير والتأويل الصحيح للمفاهيم والابتعاد عن التفسيرات الخاطئة أو (البديلة) .
3- عدم الإفراط في التمركز حول الذات ، حيث تقوم هذه النظرية على استخدام الخبرة السابق بناؤها في عقول المتعلمين ، وقد يكون لكل منهم خبرة خاطئة يحاول تطبيقها على الآخرين ، وهنا يجب أن تزيد من التفاعلات الاجتماعية التي تمنع بناء المفاهيم الانفرادية الخاطئة .
8- الأسس التي تقوم عليها النظرية البنائية :
تقـوم النظرية البنائية على أسس مهمة حددها : الميهي (2003م : 3-4) ، ومنى محمد (2004م : 99-100)، ومنى عبد الهادي وآخرون (2005م : 366-367) ، في التالي:
1- تبنى على التعلم وليس التعليم .
2- تشجيع وتقبل استقلالية ومبادرة المتعلمين .
3- تجعل المتعلمين كمبدعين .
4- تجعل التعلم كعملية .
5- تجشع البحث والاستقصاء للمتعلمين .
6- تؤكد على الدور الناقد للخبرة في التعلم .
7- تؤكد على حب الاستطلاع .
8- تأخذ النموذج العقلي للمتعلم في الحسبان .
9- تؤكد على الأداء والفهم عند تقييم التعلم .
10- تؤسس على مبادئ النظرية المعرفية.
11- تعمل على استخدام المصطلحات المعرفية مثل ( التنبؤ – الإبداع – التحليل).
12- تأخذ في الاعتبار كيف يتعلم التلاميذ .
13- تشجيع المتعلمين على الاشتراك في المناقشة مع المعلم أو فيما بينهم .
14- ترتكز على التعلم التعاوني .
15- تضع المتعلمين في مواقف حقيقية .
16- تؤكد على المحتوى الذي يحدث التعلم .
17- تأخذ في الاعتبار المعتقدات والاتجاهات للمتعلمين .
18- تزود المتعلمين بالفرص المناسبة لبناء المعرفة الجديدة والاستفادة من الخبرات.
9- بعض نماذج التدريس القائمة على النظرية البنائية :
تتعدد نماذج التدريس القائمة على النظرية ويمكن تحديد أهم هذه النماذج كما ذكر زيتون وزيتون (2003م : 1995م ) ومنى سعودي ( 1998م : 783) في التالي :
أ- نموذج التغير المفهومي ( بوسنر Posner Model ) .
ب- نموذج التعلم البنائي ( تروبردج وبايبي Trwobridge and Bybee M. ).
ج- نموذج التعلم المرتكز المتمركـز حـول المشكلــة ( جريسون وتيليGrayson Wheatly M.) .
د- نموذج دورة التعلم ( اتكن وكاربلس Atkin and Karplus M. ) .
هـ- نموذج التحليل البنائي ( ابلتون Appleton M. ) .
و- النموذج التوليدي (Osborn and Wittrock M.) .
ز- نموذج جون زاهوريك البنائي (John A Zahoric M.) .
ح- نموذج وودز (Woods M.) .
ط- النموذج الواقعي ( الخليلي ) .
وجميع النماذج البنائية السابقة لا تخرج عن كونها إجراءات تمكن الطالب من القيام بالعديد من المناشط العلمية ومشاركتهم الفعالة فيها ليستنتج المعرفة بنفسه ، ويحدث عنده التعلم لمستويات متقدمة تؤدي إلى تنظيم البيئة المعرفية له .
النظرية البنائية في الميزان :
قبل التعرض لجوانب نقد النظرية البنائية سوف يتم إلقاء الضوء على مميزات الفكر البنائي، حيث تمتاز النظرية البنائية بالخصائص التالية ، كما أورد ذلك كل من زيتون ( 2003م : 27 ) ، منى محمد ( 2004م : 100 – 101)، منى عبد الهادي وآخرون (2005م: 408-409) كما يلي :
1- ترفض الممارسات البنائية التلقي السلبي للمعرفة الذي يتبناه المسلك التقليدي.
2- تشجع البنائية تكوين المتعلم للمعنى بنفسه .
3- تؤكد على مشاركة المتعلم النشطة في عملية التعلم ؛ بما يؤدي لفهم أفضل، واحتفاظ أفضل بالمعلومات .
4- أكدت الكثير من الأبحاث أن ربط المعارف الجديدة بالمعرفة السابقة هي ضمان لتنظيمها بصورة أفضل وهذا ما تدعو إليه البنائية .
5- العمل الجماعي مع الاعتراف بذاتية الفرد وجعله واعياً بدوره ، ومسئوليته الفردية ، يقود لتعلم أفضل .
6- يأتي المعلم إلى المواقف التعليمية ومعه مفاهيمه ، ليس فقط المعرفة الخاصة بموضوع معين ، ولكن أيضاً آرائه الخاصة بالتدريس والتعلم، وذلك بدوره يؤثر في تفاعله داخل الفصل .
7- التدريس ليس نقل المعرفة ، ولكنه يتطلب تنظيم المواقف داخل الفصل، وتصميم المهام بطريقة من شأنها أن تنمي التعلم .
8- المنهج ليس ذلك الذي يتم تعلمه ، ولكنه برنامج مهام التعلم والمواد والمصادر، والتي منها يبني المتعلمين معرفتهم.
9- تولد البنائية آراء مختلفة من طرق التدريس والتعلم ، وكيفية تنفيذها في الفصل، حتى تكون متسقة مع المتطلبات العالمية للمناهج ، والتي تنص على أن أفكار المتعلمين سوف تتغير مع اتساع خبراتهم ، وهناك دور جوهري للمعلم في هذه العملية فالمعلم يمكنه أن يتفاعل مع المتعلم ، ويثير الأسئلة ويستند على التحديات الحالية والخبرات .
10- جذبت البنائية انتباه المهتمين بتدريس العلوم إلى مساعدة التلاميذ على تنمية المفاهيم العلمية السليمة لديهم، والتعرف على تصوراتهم الخاطئة، ومعالجتها عن طريق إحداث موقف يؤدي إلى صراع معرفي بين تصوراتهم الخاطئة وبين الواقع الذي يعيشونه .
11- ترجع قوة البنائية إلى أنها تركز على عدة مبادئ مهمة، منها أن التكوين المفاهيمي ينشأ من خلال التفاع بين المعرفة السابقة والمعرفة الحالية وأن المعرفة مؤقتة ، ويتم اختبارها بصورة مستمرة ويتم الحكم عليها بواسطة بعض المعايير مثل قابليتها للتطبيق وقابليتها للتصديق.
أما الوجه النقدي للنظرية البنائية فيتمركز كما أورد كل من: زيتون وزيتون (1992م : 83 – 93 ) ، اللزام ( 2002م : 44-45) ، زيتون ( 2003م :27 – 28) في التالي :
1- تنحصر النظرية البنائية الحقيقية في نواتج العمليات المعرفية أكثر منها نواتج التركيب التاريخي ، والاجتماعي ، والثقافي .
2- التركيز على التفكير الوسائلي يجعل الفرد مجرد أداة في يد التكنولوجيا ، وليس لخدمة المجتمع ، كما أن التركيز على أسلوب حل المشكلة ، ينمي جانباً واحداً من التفكير فقط وهو التفكير الاستدلالي الذي يخدم المجتمعات التكنولوجية الصناعية ، في حين يتجاهل أنماط التفكير التي يتعرض لها " جاردنر " عند حديثه حول الذكاءات المتعددة .
3- تفرض البنائية على الطلاب ضغوطاً معرفية عليا قد لا يقومون بها .
4- مهما منح المعلم طلابه فرصة التعبير عن أنفسهم ؛ فإنه يتحكم بصراحة فيما يقال ، وكذلك يتحكم في القرارات التي يتم التوصل لها مما يجعل الطلاب يشعرون بعدم وجود صدى لما يرونه .
5- ليس كل المعرفة يمكن بناؤها بواسطة الطلاب ؛ فكيف يمكن للطالب بالمرحلة الإعدادية أن يصل بنفسه لمعلومة ؛ مثل : تتكون القشرة الأرضية من الصخور النارية ، والصخور المتحولة ، والصخور الرسوبية ؟
6- تتسم معظم مهام التعلم بالتعقد المعرفي ، وغالباً ما يتضمن موقف التعلم مشكلة يبذل فيها المتعلم جهداً ليصل لحلها ، ويتطلب حل المشكلة أن يكون المتعلم ممتلكاً لخلفية معرفية وثيقة الصلة بالمشكلة ؛ وإلا ستصبح بالنسبة له مشكلة معقدة معرفياً .
وللتغلب على هذه المشكلة يجب على المعلم أن يقدم ما يعرف بالسقالات العقلية Cognitive Scafoldings لعبور الفجوة بين ما يعرفه المتعلم ، وما يسعى لمعرفته ، وتقليل التعقيد المعرفي المتضمن في بعض مهام التعلم ، تأتي هذه السقالات إما من المعلم ، أو أحد الزملاء، أو من كتاب ، أو أي مصدر آخر للمعرفة .
كما يشير أيضاً بيركنز (Perkins,1991,19-12) لحل مشكلة التعقيد المعرفي باستخدام مفهوم المعينات ويصفها بأنها عملية مساعدة للمتعلم لحل المشكلة عن طريق تزويده بالمعينات المعرفية، وهي معرفة تقدم للمتعلم لتساعده على عبور الفجوة بين ما يعرف وما يحاول معرفته ، وبذلك تقلل هذه المعينات من التعقيد المعرفي المتضمن في بعض المهام .
كما يذكر بيركنز أيضاً لحل هذه المشكلة أيضاً أن يتبنى النموذج البنائي ما يسمى " بعد المعلومات المعطاة " حيث يتم تقديم الخلفية العلمية ذات العلاقة بموضوع المشكلة قبل أن يقوم الطلاب بحل المشكلة ، وعلى الطلاب في هذه الحالة أن يستخدموا ما يملكون من معرفة عند تخطيطهم للحل، وقد يعاونهم المعلم بقدر يسير في ذلك .
ويرى زيتون وزيتون ( 1992م : 87) أنه لحل مشكلة التعقيد المعرفي ينبغي أن تكون مهام التعلم ذات درجة معقولة في التعقيد المعرفي ، فلا تكون مفرطة في تحدي عقول المتعلمين ، بل تمكن الفرد من خلال ما يملكه من عوامل نمائية كالذاكرة والمهارات والقدرة الاستدلالية بأن يتعامل مع المشكلة ويعمل فكره للوصول لحل مقبول .
7- هناك أيضاً مشكلة التقبل الاجتماعي للنموذج البنائي في التعليم ؛ فالآباء والمعلمين يريدون بالدرجة الأولى تعليماً يزود الطلاب بأساسيات المعرفة، وينقل التراث الثقافي من جيل لآخر – وهو أمر لا يبدو واضحاً في أساسيات النموذج البنائي في التعليم.
8- كما أن المجتمع بحاجة لمعيار واضح للتقويم ؛ للكشف عن مدى توفر كفايات معينة في كل خريج للوظيفة المؤهل لها مثلاً ، علماً بأن البنائيين يرفضون كل سبل التقويم التقليدية؛ كالتقويم مرجعي المحك ، ومعياري المرجع .
9- ينطوي التعلم البنائي على مخاطرة تكمن في جعل الطلاب يكونون معرفتهم بأنفسهم ، فجعل الفصل مجتمع استقصائي فكرة جذابة في حد ذاتها ، إلا أنها تتطلب معلماً قادراً على احتواء أي انشقاق في البناء المعرفي لدى طلاب دون آخرين.
10- مقاومة المعلمين للتعلم البنائي لأسباب عدة لعل من أهمها أنهم غير مؤهلين للقيام بالأدوار الجديدة التي يفرضها عليهم هذا الجديد، لذلك يتطلب التعلم البنائي متعلماً ناضجاً ليتولى مسؤولية تعلمه .
وتضيف منى عبد الهادي وآخرون (2005 م : 409) أوجه النقد التالي للنظرية البنائية:
1- إن المعرفة طبقاً للنظرية البنائية يتم بناؤها ، وهنا يرى بياجيه وكيلي أنها تبنى بواسطة الفرد ، في حين يرى فيجوتسكي أنها تبنى بواسطة وسائل اجتماعية ، وعلى ذلك فإن البنائية تقدم تفسيرات مختلفة للأسئلة : من يصنع المعرفة ؟ وكيف يحدث ذلك ؟ وعلى أي أساس تعتبر المعرفة الفردية أو الاجتماعية صحيحة ؟
2- لم تضع البنائية حداً فاصلاً بين صناعة المعنى الشخصي للعالم والفهم المبني نتيجة للتفاعل الاجتماعي .
3- الاختلافات السابقة في كيفية بناء المعرفة تؤدي إلى تطبيقات تدريسية مختلفة في حجرة الدارسة .
4- لا تقدم البنائية دوراً محدداً للمعلم أثناء التدريس، ولكنها تجذب الانتباه إلى أفكار التلاميذ أثناء عملية التدريس .
احصل علي صيانة كاريير المميزة من مركز الصيانة التابعة لكاريير
ردحذفللتواصل عبر موقعنا :
http://www.maintenanceg.com/Carrier-Agent.html
احصل علي صيانة وايت ويل من توكيلات وايت ويل باقل الاسعار الممكنة
ردحذفللتواصل عبر موقعنا :
http://xn-----btdbii6esgmwdpgd.com/
موضوع جميل لكن أين المراجع
ردحذفأريد كل مايخص البنائية الإجتماعية
ردحذفأريد كل مايخص البنائية الإجتماعية
ردحذفلمحبى الديكورات والذوق العالى والمميز فقط لديك الان افضل طريق لعمل احدث متطلبات الانشاء الحديث لمنزلك او لفلتك تواصل مع اكبر شركة بالدمام شركهقرميد فلل لبيع اجود انواع القرميد الذى يكون عازل للحراره والشمس والمياه وذلك باسعار خارج المنافسه
ردحذفمن الان يمكنك ان تنسى عناء صيانة الاجهزه الكهربائيه وعناء دفع الاموال الطائله فى شراء الاجهزه الحديثه فى ظل غلاء الاسعار فقط جاء توكيلصيانة ال جى لكى يخلصك من كل هذة المشكلات التى تواجهك فى مراكز الصيانة الاخرى
ردحذفمن الان عزيزى العميل يمكنك ان تعتمد على افضل شركة نقل عفش بالطائف فنحن من اكبر الشركات فى مجالنقل عفش الطائف لدينا خبراء فى مجال حمل كل انواع العفش فيتم نقل عفشك الخاص فى امان تام فشركتنا مسؤله عن كل قطعه اثاث نقوم بنقلها
ردحذفلو سمحتم عايزة افتراضات جانييه
ردحذفعايزة كتب عن برونر و جانبيه
ردحذف